استراتيجية الكتابة بين التماهي والتوجيه التربوي عند أمامة قزيز في مجموعتها القصصية للأطفال "سحر ومعلمة جدها" / نقد / الأستاذة زهور حمودان / المغرب.
نقد
الأستاذة زهور حمودان تقدم
[ استراتيجية الكتابة بين التماهي والتوجيه التربوي عند أمامة قزيز في مجموعتها القصصية للأطفال "سحر ومعلمة جدها" ]
يقول أحد الباحثين في المنظومة الفكرية لعلم الاجتماع ما معناه أن على كل صاحب مشروع، أن يبدأ ب "التفكير في ماذا، وليس كيف"، لأن "ماذا"، هي التي ستقوده إلى التفكير فيما يجب عمله لتحقيق هدفه، دون أن يعترضه ما يعيق تقدمه الاستراتيجي لتنفيذ مشروعه" وهي الرؤية التي يدركها المتلقي وهو يتابع قراءة وحدات المجموعة القصصية "سحر ومعلمة جدها"، للمبدعة أمامة قزيز؛ حيث يكتشف القارئ المتخصص في الدراسات النقدية، كأن الكاتبة تساءلت عن ماذا عليها أن تفعل، من أجل التحفيز على التفاعل لدى المتلقي المحتمل مع كتابتها، خصوصًا عندما تستهدف الطفل كقارئ.
يحكم المجموعة متخيل سردي مؤطر بهدف تربوي لا يخلو من متعة، تنعش مخيلة القارئ الصغير، مما يوحي بوجود مقصدية استراتيجية خاصة بالكتابة للطفل، مع نوع من التماهي مع القيم التربوية، وهو ما يسفر عن الخلفية التعليمية للكاتبة.
الكتابة للطفل واقع جديد يتغلغل في الكتابة الأدبية، يضع أمام مؤلف اليوم تحديات كبيرة وعديدة، وذلك بحكم المنعطف الحضاري الذي تتواجد عليه الإنسانية المنفتحة، وهذه قضية قد يمكن مقاربتها في مجالات أخرى للكتابة، لأننا اليوم أمام تجربة كتابية لساحرة تجوب آفاق الكون، تسرق منه شعلة المعرفة، تدسها في حروف يخطف وهجها انبهار الأطفال، ثم يتسلل إلى ذائقة الكبار ليسحبها إلى عوالم سحَر المجدول بالكثير من الخيال الممنهج إن صح القول.
* استراتيجية الكتابة عند أمامة قزيز:
إن من يقرأ في التجربة الإبداعية عند أمامة قزيز، يستطيع أن يلمح أثرًا من تخطيط يؤطر أعمالها، وأن يدرك أن أعمالها لها معمارها الخاص، عناصر فسيفساء كل عمل من أعمالها لها معمارها الخاص، سواء أكانت لوحة، أم قصيدة، أم رواية أم مسرحية، أم قصة قصيرة للأطفال، أم مجموعة قصصية، تنتقي لكل عمل من أعمالها مجاله التداولي الخاص به؛ تضع له الأساسات الشكلية، وتختار له أدوات البناء، وذلك طبعًا، طبقًا لما اختارته استراتيجيتها الإبداعية.
- فما المقصود باستراتيجية الكتابة؟
- وما هي حدود التماهي فيها بالنسبة لكتابة الطفل، في مجموعتها القصصية للأطفال "سحر ومعلمة جدها"؟.
تقوم استراتيجية الكتابة للطفل عند أمامة قزيز في هذه المجموعة على الأساسات التالية:
= تحديد الاتجاه:
تحديد السنوات العمرية لكل فئة مستهدفة من الأطفال، في كل ما تكتبه من أعمال موجهة للطفل، كمخطط يقدم للقارئ / الطفل مادة تناسب الفكر الطفولي، وتمكنه من تطوير ملكة الاستيعاب لديه، من خلال شخصيات مروياتها، ابتداء من الحيوانات، والنباتات، وعوالم الطبيعة في الفضاءات العلوية، والكائنات الخرافية؛ وهو توجه في الكتابة للطفل يتنوع عند المبدعة أمامة قزيز؛ تبعًا للفئة العمرية المستهدفة في عملها، حيث نجدها هنا تخاطب الأطفال من ست سنوات إلى عشر، كما لها عمل آخر بنفس الاستراتيجية التخطيطية لليافعين، الموسوم ب"نادي الخنافس المدرعة"، وفئتها المستهدفة فيها هي فئة المراهقين.
تكشف هذه الاستراتيجية كذلك، خطاطة مجموعة من القوانين التي أعدتها الكاتبة لمسار حكيها، حيث تنتظم داخله وحدات رؤية تتماهي مع مواصفات المربية التي تسكنها وهي تبدع في الكتابة للطفل... تشكل عالمًا رؤيويًّا تقوده المعرفة، وتبْسطه حروف الحكاية بحمولتها الإيحائية لشخصياتها الرئيسة وهي:
"سحر" التواقة للاطلاع على ما يجري خارج حيزها المكاني، الذي أثثته المؤلفة بحديقة مسيجة ومدفأة وكلب متصادق مع هر البيت الكسول".
" الجد" الشخصية الحارسة للقيم، ومن خلالها يتجلى البعد الروحي من الحكمة التي ينطق بها.
" صديقا الطفلة" القط والكلب، وهي من أقرب الكائنات إلى قلب الطفل.
الشخصيات في المجموعة تخدم استراتيجية المؤلفة التي تحترف الإبداع، كما تحترف العمل التربوي، إلى حد التماهي التام بين الفن والمثل التربوية لدى الذات الكاتبة لأمامة قزيز. تلك الإستراتيجية التي ما هي إلا اختيار تتبناه في تقديم أعمالها.
وقفت على تجربتها الروائية، والشعرية، والرواية للأطفال، وها أنا اليوم أقف على تجربة أخرى في مجال مجموعة قصصية للأطفال، وفيها تأكد لي أن أمامة قزيز تنطلق في نسج أعمالها من استراتيجية رؤيوية للمحيط العام لكل عمل من أعمالها، وهو ما يجعل القراءة في أعمالها مفعمًا بالغواية، تلك الغواية التي تحفز فضولك... تسحبك نحو محاولة الكشف عن التصميم العام للعمل، ففيه يكمن سحر الإبداع لديها، ولعل كلمة "سَحَر"، بفتح الحاء ما هي إلا تمويه لمفتاح تصميم استراتجيتها الفنية في الإبداع، فهي سبق وأن جعلته ضمن تركيبة عنوان ديوانها الشعري "تمائم سحر"، وهنا أيضًا نلمس الإصرار على التصميم المنسجم، من خلال انسجام تمائم مع ما يوحي به الجذر اللغوي "سحر" من دون تشكيل، أي "السِّحر"، الذي يكمن سره في الشعر، وتتوزع تمائمه على باقي إبداعاتها.
هذه ليست قراءة عاشقة بقدر ما هي قراءة في مخطط لاستراتيجية العملية الإبداعية لأمامة قزيز، استشهادات عديدة تؤكد ذلك، أحصيتها في أعمالها، وفي المجموعة استوقفتني هذه الجملة السردية: "تطايرت القوقعة من عنقها، فتلقفتها بفمها، وتجرعت الشراب الذي بداخلها".
الاستراتيجية في المجموعة تحكم انتظام الحكي في الاستهلالات الأولى لوحداتها، ثم "الحكاية الحاضنة" باسم سَحَر التي تحمل وظيفة ضبط سير باقي الوحدات، فكانت أن تكررت في المجموعة سبع مرات، فهي الوحدة التي تجلي تماهي الكاتبة مع شخصية "سحر"، الحاملة للمعرفة، الدائمة الحضور بفضاء السرد في المجموعة، والخيط الرابط بين أقصوصاتها.
تلي العتبات الاستهلالية، بعد الغلاف والحكاية الحاضنة، لازمة الجد:
"الناس خطيرون عليك يا ابنتي الصغيرة"
وهي عتبة دالة، تقدم البطلة، وهي الشخصية الرئيسة في عملية توليد الحكاية، ملّكتها إياها الكاتبة بالتماهي معها ومع سحر "دمية الصندوق"؛ معلمتها، وذلك من خلال ثلاثة عناصر هي بمثابة القضايا الرئيسة التي تؤرق الكاتبة، وهي:
- الرغبة في الانطلاق والتحرر مقابل ما يمثله ذلك من خطر على شخصية الطفل؛ حين تجري المؤلفة على لسان الجد هذه العبارة "الناس خطيرون عليك يا بنيتي".
- وجود الفعل الإيجابي للشخصية الرئيسة سحر التي تقود وحدات الحكي، رغم الحظر من تعدي سياج البيت، تقول الساردة: "وهكذا ككل مرة تسمع سحر نفس العبارة من جدها، فتعود أدراجها نحو الداخل، خاصة إن كان الجو باردًا منبئًا بأمسية ماطرة... توقد نار المدفأة، وتلهي نفسها بإعداد الطعام ومحادثة كلبها الوفي المتصادق مع هر البيت الكسول".
- تقديم المعرفة، تجمع المؤلفة في تقديمها للمعرفة بين محورين اثنين هما الشعري والمعرفي:
محور المتخيل الشعري، تقدمه لغة ذات إيقاع صوتي على ركح من كلمات حروفها ذات جرس صوتي، نقرأ هذا الحوار في أقصوصة "سمورة وعمتها الديناصورة":
ما سبب لمعان الفضاء؟
أجابت الشحرورة صديقتها سمورة:
يا وليتنا... إنها عرائس الشقاء... ستسبب لنا الشقاء.
اللغة هنا تواصلية، تفجر نوعًا من المعرفة حول التاريخ البيولوجي للبيئة، عبر قصة انقراض الديناصورات، في قالب اختارت له المؤلفة لغة إيقاعية فيها الأنشودة والحوار ذو الوقع الصوتي للحروف.
- انسجام دلالة أسماء الشخصيات مع قضية الفضاء السردي الذي يقدمها، تنحت المؤلفة أسماء أبطالها لتدعم قضايا فضائها السردي التي ولدت فيه، وتؤثث حكيها بمعجم لغوي مناسب له مثل ما جاء في هذه النماذج المختارة:
سمورة وعمتها الديناصورة: شخصية عصفورة تدعى شحرورة، هي من صححت معلومات سمورة حول قصة اختفاء عمتها الدينصورة، قائلة:
...ذات زمن يا سمورة... نيزكا سقط عليها من السماء فصارت مذعورة... ومن جميع الأرض هاجرت مدحورة...؛ وضمت هذه الأقصوصة مفردات خاصة بفضائها التداولي مثل: السماء — النيزك — الشهب — الغابة — الخمائل — الأشجار — الكواكب — الجليد، قبل أن تحملها العمة الديناصورة رسالة إلى بني جنسها من البشر " ...حافظوا على بيئتكم، وارحموا جميع عناصرها من ماء وهواء وتربة ونبات....
النجمة شهوبة، ومفردات معجم الفضاء التي تسكنه: شهب — نيازك — الغلاف الجوي للأرض — ركاب الطائرات — عمال أبراج المراقبة — سحابة... ومن هذه الشخصية، ستولد الكاتبة متوالية متخلية من نوع آخر من أنواع البيئة هو المحيط، بنفس المكونات الاسمية والمعجمية، رابطة بين الوحدتين بتقنية سردية تقدمها هذه الفقرة: "طلبت {شهوبة} من السحابة العظيمة أن تدثر ذيلها المتوهج ببرودة مطرها... غاصت نحو الأعماق، وهي تنوي قضاء ما تبقى من عمرها وسط المحيط".
شخصية زبد ومعها توظيف الغناء إيحاءً وفعلًا يؤدي دور الحدث الروائي في فقرة: "استرخت بارتياح وشرعت تغني أنشودة المحيط منبعثة كرنين من صدى الأمواج الهادئة... ".
في الحقيقة، هذه الوحدة كان من الممكن أن تفرد لها الكاتبة مؤلفًا خاصًّا بها، حيث إنها جاءت على متواليتين سرديتين:
متوالية باسم سحر، بحكم أنها وحدة أدرجتها المؤلفة بين الوحدات لتبليغ المعرفة والتربية والتعليم، من خلال التوضيح، وربط الحلقات الموضوعية بين نصين أو بين شخصيتين من أقصوصة وأخرى، وهو ما حدث مع شخصية شهوبة التي كانت نجمة في السماء وزبد حورية البحر، وظفت لها الأسطورة، إلى جانب سحر الاسم "زبد"، ومفردات المعجم والتعابير اللغوية اللذين تنبني عليهما لغة النص، وتعمل على إنتاج الدلالة، ونسوق منها مثلًا: تأثير القمر على موجات البحر — المد والجزر — الشعب المرجانية.
ترصد المؤلفة بوعي تام لمفاصل بنائها السردي في المجموعة، الحركة الدقيقة العابرة في طيات حكيها عن زبد، تستحق الوقوف عندها، وهي تقول: "وجثا على ركبتيه وهو يمد لها منديلًا حريريًّا ينتفض بين أصابع يده، بسبب الرياح، كان يصدر أصواتًا من فمه، لم يدركها فهم زبد" فارتباط المنديل بالإغواء، جلي في الأقصوصة، راوغت فيه المؤلفة سير حكيها للصغار، بإسقاط عرف بشري على شخصياتها من خلال آلية الأنسنة، التي استدعت بموجبها موضوعة زواج الأقارب والضغط الأسري على الأنثى، وإسقاطه على شخصية زبد حورية البحر، نقرأ بهذا الخصوص: "أومأت زبد برأسها طاعة وامتثالًا لطلب أبيها، فعادت الأجواء لصخب الاحتفال والابتهاج، بينما كانت مخيلة زبد ترجع بها نحو حدث لقائها بالبشري الوسيم وإلى أشعة الشمس ورمال الشط.
* التماهي:
رصدت هذه القراءة قضايا تماهي الذات الكاتبة مع شخصية المعلمة / المربية التي تسكنها، من خلال تتبع القضايا التي تعالجها نصوص المجموعة، ومنها:
- توظيف قيمة العقاب التربوية في أقصوصة الحورية زبد، نقرأ بهذا الخصوص: "أخبرها والدها أن هذا التحول الغريب ما هو إلا جراء تهورها ومغامرتها غير محسوبة العواقب، لكنها أبدت ندمها وامتنانها لكل من ساعدها في محنتها".
- حضور التضاد مرة أخرى في حكاية زبد "أبصرت صديقاتها السمكات وهن يقضين نحبهن اختناقًا، فارتاعت لمنظرهن، واشتد خوفها خاصة لما طالعت ذلك الآدمي الوسيم هو نفسه رفقة آخرين وهم يدنون منها ونذر الشر تتطاير من نظراتهم المتقدة شراهة وطمعًا".
- فنية رصد الحركة من خلال الحكي: "تطايرت القوقعة من عنقها، فتلقفتها بفمها، وتجرعت الشراب الذي بداخلها".
- التخطيط التربوي: توفير المعايير في الشكل والمضامين:
الشكل:
- التشكيل بالرسم كآلية لتجسيد الشخصيات الرئيسة في المجموعة، بما يصنع المتعة البصرية لدى الطفل.
- التشكيل برسم العلامات النحوية فوق كلمات النصوص.
- توظيف الحيوانات في الصور والأحداث لإثارة فضول القارئ /الطفل، وتحفيز فضوله، مما يكسبه معرفة بعناصر الطبيعة التي لا تشبهه.
- توظيف صندوق الفرجة وشخصيتي سحر وحورية الصندوق.
- البيئة، وهي السمة الغالبة على المجموعة.
- السلوك، وفيه يتجلى البعد التربوي.
التخطيط المرتبط بالنتائج:
الشكل العام لتقديم المجموعة، ويقوم على الركائز التالية:
- اللوحة الفنية كمخطط لتحقيق المتعة الجمالية/بالصور والألوان التي تجذب الرؤية الجمالية عند الطفل.
- المفردة اللغوية المدروسة المصاحبة بالتشكيل النحوي لكل كلمة حسب موقعها الإعرابي في النص.
- الإيقاع في الكلمات المسجوعة، المتناغمة.
- الأنشودة، وتقليد أصوات الحيوات التي تشارك الأطفال الآدميين؛ بحضورها كشخصيات فاعلة، أو مؤثِّثة للسرد الوصفي، ثم التراكيب التعبيرية الحاملة للمتخيل السردي في العمل؛ مما يحقق الفهم والاستيعاب وتحفيز الخيال، ثم متعة القراءة لدى الطفل.
- المضامين، وتتمحور حول تقديم القيمة التربوية، والمعايير التي ترقى بسلوكيات الطفل في المراحل الأولية لبنائه فكرًا وسلوكًا، وقد تم رصدها في المجموعة كالتالي:
- صحيًّا: في أقصوصة "حليب الببغاء".
- التربية الأسرية: كتاكيت متهورة.
- التربية التعليمية: من خلال إلحام المعلومة بالحكاية، على لسان كائنات من الطبيعة، كالتحفيز على التعلم، وإذكاء الرغبة في التحصيل والاجتهاد عبر كائنات من الطبيعة لا تستثني أي كائن من كائناتها؛ حتى الحشرات منها، كما هو الحال في أقصوصة "رامي وقوقة ولولة" ، التي تبدأ بفقرة الدعسوقة قوقة والولد رامي، والفقرة الثانية النمولة لولة والولد رامي.
- تقديم قيمة التواضع عبر شخصية نورا المغرورة وشخصية الشيخ المتواضع الحامل للقيم والمعرفة.
- تقديم المعرفة حول البيئة ومسؤلية البشر في الحفاظ عليها من خلال أقصوصة سمورة وعمتها الدينصورة.
إن المتأمل في استراتيجية أمامة قزيز في وضع تخطيط لأعمالها، يصل إلى ما يمكن اعتباره توسلًا تضْمنُ به لعملها بعدًا شموليًّا، يستحضر التشكيل، والألوان، واللغة البسيطة والسليمة القريبة لفهم للطفل، وأنسنة الحيوانات، وهي استراتيجية تؤطرها رؤية ترنو إلى مدى بعيد يمُكنها من التحقق الذاتي في حقول الكتابة الإبداعية في الشعر والرواية، والمسرح وقصص الأطفال، بمؤازرة أكاديمية تكِدُّ فيها بشغف، من أجل امتلاكها لاستراتيجيتها، وبذلك تكون قد حازت حقها في التميز، وامتلاك ذاتها المبدعة الخاصة بها.
زهور حمودان
المغرب
تعليقات
إرسال تعليق