(أزمة الإنسان وانهيار القيم في مسرحية "اقْطيب الخيزران" لعبد الإله بنهدار) / بوجمعة العوفي المغرب.
ورقة تقديمية للنص المسرحي "اقطيب الخيزران" للكاتب والمؤلف المسرحي "عبد الإله بنهدار" الصادر نهاية سنة 2023، عن مؤسسة "باحثون للدراسات والأبحاث والنشر والاستراتيجيات الثقافية" بالمغرب / لوحة الغلاف للفنان يوسف الغرباوي المقيم في كندا.
أزمة الإنسان وانهيار القيم
في مسرحية "اقْطيب الخيزران"
لعبد الإله بنهدار
عبد الإله بنهدار هو واحد من الكُتّاب والمؤلفين المسرحيين المغاربة الذين ينتمون إلى جيل الطليعة، بعد كوكبة الرواد والمؤسسين (الطيب لعلج، محمد مسكين، عبد الكريم برشيد... على سبيل المثال لا الحصر). وقد استطاع بنهدار أن يراكم في ريبيرتواره Répertoire المسرحي العديد من النصوص الجيدة والملفتة للنظر، بدْءاً من "صرخة من سراييفو"، و"قاضي حاجة"، و"من بعد"، و"صياد النعام"، و"قايد القياد: الباشا الكلاوي"، و"الروكي بوحمارة"، و"الجدبة"، و"عيوط الشاوية"، و"جْنان القَبطان". أما في مجال كتابة السيناريو للأشرطة التلفزية والسينمائية والمسلسلات، فنجد له: "آسفة أبي"، و"شهادة ميلاد"، و"أولاد البلاد"، و"الزمان العاكر"، ثم المساهمة في كتابة حلقات مسلسل "قلوب تائهة"، و"دموع الرجال"، و"كريمة"، و"ناس الحومة"، و"برنامج مداولة".
كذلك استطاع عبد الإله بنهدار أن يؤسس لاسمه ولتجربته متعددة الأضلاع في الكتابة للنقد المسرحي والسينمائي والأدبي، ثم في الاقتباس المسرحي من نصوص روائية مغربية وعربية (مسرحية "امرأة النسيان" عن رواية محمد برادة "امرأة النسيان"، ومسرحية "البعد الخامس" عن رواية "أعشَقُني" للكاتبة الأردنية من أصل فلسطيني سناء شعلان، بالكثير من الجدية والتجديد والتميز، الشيء الذي جعله واحداً من المساهمين الأساسيين في إغناء التجربة الدرامية المغربية بالكثير من النصوص التي فتحت هذه التجربة على مستويات أخرى من التجديد في الرؤية الفنية والثيمات Thèmes (المواضيع) والمقاربات التعبيرية والجمالية المتعددة.
من هنا، يأتي النص المسرحي "اقطيب الخيزران" لبنهدار ضمن مجموعة من نصوصه الأخرى التي استلهمتْ بشكل جميل وواع التراث الشعبي الغنائي المغربي بألوانه المختلفة، هذا التراث الذي شكّل بالنسبة له مادة خصبة للأدرمة (من الدراما) أو المسرَحَة، بحيث عمِل المؤلف على نقل تعبيراته الغنية والمتعددة إلى الخشبة، مستعينا في ذلك برؤيته الفنية وخبرته الواسعة في مجال الكتابة المسرحية والنقد، إذ يعُود المؤلف في هذا النص إلى التراث الغنائي الشعبي المغربي (الهواريات)، هذا المتن الغنائي ذي الأصول الأمازيغية، والذي يختزل الكثير من التعبيرات والإحالات الفنية والفلكلورية لثقافة المغرب وحضارته.
إذ يستوحي بنهدار فكرة نصه المسرحي الجديد "اقطيب الخيزران" من أغنية هوارية قديمة مَطلعُها "سير أجَرَّاح القلوب... سير أجَرَّاح القلو ب..."، فيما يتأسس البعد الدرامي للنص وأحداثه على صراع بين عشق جارف تمثله علاقة "هوّار" بـ"هوّارة" (اقطيب الخيزران)، وسلطة الجاه والمال الذي يمثله "الشيخ القرشي" الذي يستطيع بواسطة نفوذه الاجتماعي أن يخطف من "هوّار" عشيقته ويُسكنها في قصره، لتجري الأحداث، قبل ذلك، بشكل فجائعي يشبه القصة أو المصير المأساوي لقصة الحب المعروفة والجارفة بين أشهر عشيقين في تاريخ الآدب العالمي "روميو" و"جولييت"، إذ يرفض "موسى" أب "اقطيب الخيزران" زواجها من "هوّار"، فتتجرع هذه الأخيرة السم وتفارق الحياة.
هكذا يعمل المؤلف، وبشكل مفاجئ، على نقل أحداث المسرحية إلى بعد غرائبي أو فانطاستيكي Fantastique بامتياز، حيث يتدخل غراب بقدرات سحرية خاصة، ليعيد "اقطيب الخيزران" إلى الحياة من جديد، لكن صدمة "هوار"، ستكون قوية هذه المرة ويفاجَأ بتنكر العشيقة له، فيصل الحدث الدرامي في النص إلى حالاته القصوى أو مرحلة الذروة، فتختار "اقطيب الخيزران" العيش مع الغريم "الشيخ القرشي"، ويَغرق "هوّار" في حزنه ونكسته، وهنا يعمل المؤلف على تأزيم الفعل الدرامي في النص، من خلال المصائر المرتبكة للشخصيات، لتجري الأحداث بطريقة صادمة وبنهاية محزنة، غير ما يتوقعه "هوّار"، وينتصر المال والجاه والموقع الاجتماعي، في آخر المطاف، على العشق، وفي ذلك تكريس لموقف نقدي وسلوك اجتماعي، يضع البشر أمام اختيارات صعبة، إذ يذعنون او يخضعون، بطبيعتهم، لمبدأ المصالح والمنفعة، عِوض المبدأ والموقف الإنساني النبيل.
كما لا يخلو هذه النص المسرحي من مواقف نقدية ورؤى ثاقبة أخرى، تذهب أحيانا إلى حد إبراز الكثير من التناقضات الصارخة وسخرية الأقدار، فيصبح "الشيخ القرشي" بفضل ماله ونفوذه مفتيا في حقائق العِلم وأمور الحياة، ويغذو العشق والقيم الإنسانية الرفيعة مجرد أوهام يتمسك به البسطاء أو، بالأحرى، "المغفلون" من الناس، وهذه، في نظرنا، واحدة من نقط القوة في نص مسرحية "اقطيب الخيزران"، إذ تكشف على هذا الزيف والجشع الدفينان أو الكامنان بداخل الإنسان، مما يجعله ضعيفا أمام المغريات العابرة والزائلة، وذلك ما توفق المؤلف، بشكل جميل، في جعْلِه حقائق موازية لطبيعة البشر الحقيقية وسلوكهم في الحياة، وبذلك تتبدى بشكل واضح، في هذا العمل المسرحي، معضلة انهيار القيم وأزمة الإنسان.
بوجمعة العوفي
المغرب
تعليقات
إرسال تعليق