برنامج "رؤى أدب المهاجر" / ح 1 / الشاعر المغربي خالد صابر المقيم بآيرلندا / إعداد وإدارة الأستاذ عبد الرحمن بوطيب.


 

 

رؤى أدب المهاجر

برنامج ثقافي تفاعلي يسلط الضوء على التجارب الثقافية للمثقفات والمثقفين العرب في بلدان المهجر

إعداد وإدارة الأستاذ عبد الرحمن بوطيب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحلقة الأولى

مع الأديب المغربي خالد صابر  المقيم بآيرلندا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

     عتبة... غربة:  

   (الغَرْبة والغَرْبُ: النَّوَى والبُعْد، وقد تَغَرَّب... جاء في لسان العرب)

    الغربة ابتعاد، وتنحٍّ... ابتعاد عن أوطان... تنح عن أهل ومكان... وما تنقطع صلة

    بجذور... إن الأدب حضر.

إن تغربت ذات... توجعت روح، وسال مداد.

هذا حال الشاعر خالد...

فَلْنَقْتَحِمْ غربتَه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

     بعض من... سيرة:

كاتب أشعار من المغرب، مقيم بديار المهجر في آيرلندا.

من مواليد سنة 1969 بفاس، درس بمدينة الرباط.

حاصل على الليسانس، شعبة الآداب الإنجليزية بجامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1986، وعلى الليسانس، شعبة العلوم السياسية من جامعة ساوث بانك بلندن سنة 1997، وعلى الماجستير في الفلسفة السياسة من جامعة يورك بإنجلترا سنة 1999. وهو بصدد الإعداد لرسالة الدكتوراة في الأدب المقارن.

بدأ كتابة الشعر في الصغر، لكنه انقطع عنه فترة طويلة، إلى أن هبت رياح الربيع العربي سنة 2011، حيث كتب قصيدة مطولة عن روح وسيكولوجية الشعوب العربية الثائرة وتقاسيمها وآمالها.

بعد أفول ربيع الثورات العربية وتشرذمها، اعتزل الكتابة واعتنق اللٓا شيء والكآبة. وجاءت جائحة كورونا بكل ما تحمله من أسئلة، إشارات، دمار... وأعادته إلى الكتابة، عاد ليكتب لِأن الشعر والأمل بالنسبة إليه ليسا فقط خياراً واختياراً، وإنما الشعر والأمل أجمل الأقدار.    

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شاعر... وغربة: 

 

 في الغربة والإبداع...

الغربة تربة الإبداع... من خلال رحلة حياتي وتجربتي الشخصية، يمكنني القول إنها بتجلياتها ودرجاتها المختلفة هي تربة ومطر الإبداع ... والغربة هنا، ليست مرتبطة بالتعريف أو التمظهر المكاني المادي فحسب، أي كونك تحس أنك غريب عن المكان الذي عشت فيه مدة زمنية طويلة، بل تتعدى ذَلِكَ إلى التعريف أو التمظهر اللآ مادي للإحساس بكونك غريب، أي أن طبيعة ودرجة الاختلاف، وعدم التماوج مع المحيط الذي تعيش فيه، لهما أبعاد وتماوجات غير مرئية، بمعنى آخر روحية، تضرب في عمق معنى وجودك ذاته.

الغربة هي المرآة التي من خلالها يمكن رؤية كثافة ظلامك الوجودي، وبالتالي يمكنك من خلال رؤية عتمة وجودك هذا، وكثافتها، أن تتخيل نور وجودك، حين تحيط بشيء يمكنك هزمه.

أول إحساس لي بالغربة كان لما فارقت أمي وأبي وإخوتي، وقريتي الصغيرة وسماءها ونجومها وتضاريسها وشخوصها، فارفت عالمي الذي عرفته وعرفني طيلة الخمس سنوات الأولى من عمري، وذهبت لأعيش في عالم آخر غريب عني، ذهبت لأعيش في عالم المدينة بعيداً عن حضن الأم والقرية.

من أول ليلة لي في غربتي الأولى، بدأ الحنين، الذي هو محاولة استحضار الشيء المفقود في خيالك، وملء وجودك منه، كي تستطيع أن تكمل هذا الدرب المفروض عليك.

من أول ليلة بدأ رسم تضاريس ضحكة أمي، وتيار حنية يديها، وبريق دموع عينيها، وبدأ رسم تفاصيل قريتي وسمائي ونجومي التي تركت ورائي، استحضرت فردوسي المفقود معي في كل لحظة، وإلى هذه اللحظة، لكي أقدر أن آخذ نفس الحياة.

هذا الحنين، سيأخذ منحى تصاعدي و يتخذ شكلاً مادياً ملموساً بعد خمس سنوات وأنا في سن العاشرة، في أول محاولة عفوية للكتابة، أول قصيدة لي موجهة إلى أمي وأخي المفضل حينها.
ربما هي محاولة لأن أصنع مرآة أرى فيها ما يتفاعل في دواخلي من انكسارات ورغبات وتأوهات... لربما كانت هذه القصيدة الأولى عبارة عن محاولة إرسال رسالة بدون إرسالها، أي أن أكتب رسالة من نفسي إلى نفسي، أعزي نفسي بنفسي في نفسي، لربما كان لفعل كتابة هذه القصيدة وقع السحر على نفسي ونفسيتي، أحسست لأول مرة بأنني تجاوزت شيئاً ما، ولأول مرة، ظلام الفقد، واقتربت لأول مرة، ربما، رغم البعد والغربة من فردوسي المفقود، وما إن تخطو الخطوة الأولى في أي شيء حتى تأتي الخطوات تباعاً.
بعد عشر سنوات أخرى، وفي سن العشرين، وبعد الحصول على الإجازة في آداب اللغة الإنجليزية من جامعة محمد الخامس بالرباط، يحل موسم الهجرة إلى الشمال، إلى عاصمة الضباب وصحاري الغربة الأكبر والأكثف... لندن.

تتوالى الغربة على موجات، وتتوالى محفزات الكتابة واستعادة الفردوس المفقود في كل موجة… حتى تصير الحياة نفسها غربة عن شيء ما، الوجود الإنساني كله، ربما غربة عن مفقود ما... ومع هذا، الغربة تربة ومطر الإبداع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

     كأن الغربة... قصيدة:

حيث...

قصيدة نثرية

 

حَيْثُ

تُعَانِقُ غُرْبَةُ المِيَاهِ أزَلِيَّةَ الأَرْض

هُنَاكَ يُبْرِقُ اَرَقُ الكَلِمَات

وَشُعَاعُ الشُّرُود

 

وَحَيْثُ تَتَفَتَّحُ

شَرْنَقَةُ اللُّغَةِ مُقَدَّسَةً زَاهِيَةً

عَارِيَةً مِنْ بَرِيقِ وَغَسَقِ الوَقْتِ

مَارِقَةً مِن طَحَالِبِ الطُّولِ وَالعَرْض

 

هُنَاكَ

يُمْكِنُ أَنْ تَنْحَتَ

كَلِمَةً مِنْ لا شَيْءِ وَحَرِيقِ الحُرُوف

 

وَأَنْ تَقِفَ

عَلَى حَافَةِ اللُّغَةِ

وَتَنْجُو بِجُنُونِكَ مِنْ هَاوِيَةِ المَعْنَى

وَغُرُوبِ القَافِيَة

 

لَحْظَتَهَا

تُخْبِرُكَ لَعْنَةُ الأشْيَاء

 

أَنَّهُ،

فِي قَامُوسِ الغَسَقِ وَالبَرِيقِ وَاللا وُجُود

وَهْلَةُ عّيْنَيْكَ

لَحْظَةُ انْتِشَاءِ المَفْقُود

أزَلِيَّةُ انْتِحَاءِ الوُجُود

 

زُجَاجَةُ رِسَالَةٍ

مِنْ نَشْوَةِ غُبَارِ النُّجُومِ

عَالِقَة عَلَى جَنَاحِ وَثْبَةِ أَبِي الهَوْل

رَاسِيَةٍ عَلَى قَوْسِ مَطَرِ أُولَمْب الغُيُوم

 

آيرلندا، ٢ أكتوبر

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من هناك... رؤى في الشعر:

العامل المحفز على الانطلاقة في عالم الشعر، ومزاوجة القلم والورقة... كان هو الحنين، لما ذهبت في سن الخامسة للعيش مع أسرة عمتي بمدينة الرباط، تركت كل ما كنته في قريتي الصغيرة البسيطة في ضواحي مدينة فاس، تركت أمي وإخوتي وشجيراتي وسمائي ونجومي ، تركتني هناك سنة 1975 وذهبت للعيش في مدينة الرباط بحي حسان عند أسرة عمتي التي احتضنتني بكل الحب والرعاية الممكنة، وبفضلها بعد الله، تمكنت من الدراسة والتخرج، وبعد ذاك الهجرة إلى بريطانيا، لكن رغم كل الحب الصادق والاحتضان الدافئ من طرف أسرة عمتي بمدينة الرباط، فَإن شعوري الداخلي العميق بالاغتراب والتمزق نما وتطور، لأنني فجأة فارقت أمي وعالمي الذي أعرفه في سن مبكر... لم أكن حينها قادراً على فهم واستيعاب ما حدث وكيفية التعامل معه، فكان الحنين إلى عالم وزمن مفقودين هو شرارة الانطلا قة.

أول قصيدة لي كانت في سن العاشرة، وهي تدور حول اشتياقي الحزين لأمي، كنت أراها مرة واحدة في السنة في العطلة الصيفية.

مع الأسف ضاعت هذه القصيدة، وكانت على النمط العمودي، ضاعت مع ما ضاع مع أمواج الحياة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للأمانة، كتبت أول قصيدة لي على النمط الكلاسيكي العمودي، لكني في سنوات الثمانينات في مرحلة الجامعة والشباب بدأت أميل إلى الشعر الحر بعد تعرفي عليه عربياً من خلال نازك الملائكة، السياب، درويش، أدونيس، وعالمياً من خلال شعر رامبو، ييتس، جيمس جويس وغيرهم...

أنا عاشق للقصيدة العربية الكلاسيكية العمودية التي تتمايل بين الصدر والعجز على أنغام الوزن والقافية، وتبقى هي، زمنياً وأنطولوجياً، الناظم الأساسي للشعر العربي، وتحليلي الشخصي أن القدامى كان بإمكانهم الإتيان بهكذا إعجاز لغوي لأنهم كانوا يتكلمون اللغة العربية الفصحى في حياتهم اليومية، واللغة العربية لغة مموسقة، فجاء تعبيرهم الشعري بهذا الكمال اللغوي الموسيقي، والدليل هو بحور الشعر التي هي بمثابة مقامات موسيقية، ومن هنا، فالحقيقة التي لن نقدر أن نداريها هي أننا لم نعد نتخاطب بالفصحى في حياتنا اليومية، وبالتالي فشعورنا لن نقدر أن نعبر عنه بالقصيدة العمودية، وكذلك لَن نقدر على التعبير الشعري القوي عن طريق العامية لقصور احتوائها الفكري والدلالي… قصيدة النثر أكثر ملاءمة للوجدان العربي المعاصر بما فيه من انكسارات وتحديات... فضاء لامتناهٍ من الإمكانات والجماليات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليس هناك شعر جيد وشعر رديء...

هناك شعر، وهناك أشياء أخرى ليست شعراً، رغم تشبهها بالشعر...

الشعر ليس فقط وزناً وقافية وكلمات مختارة منمقة مرصوصة جنب بعضها... الشعر شعور وفكر وجمال في المبنى والمعنى.

إذا لم يشعر القارئ بشيء جميل ومختلف وهادف في القصيدة، فلن يلتفت إليها، القارئ "قاتل محترف" يمكنه أن ينظر إليك وألّا يراك.

الكثير من الأشباه الشعرية مليئة بالكلمات والعبارات العادية أو المستهلكة والمستنزفة، يغيب عنها التجديد... التجديد هو الفيصل بين الشعر وأشباه الشعر.

يجب على الشاعر أن يقول شيئًا جديداً، ولو في حلة قديمة، أو أن يقول شيئًا قَدِيماً لكن في حلة جديدة...

الشاعر الشاهق هو من يقول شيئاً جديداً في صورة جديدة... ودائماً المعنى والمبنى توأمان سياميان، كالمادة والروح، لا يمكن فصلهما، إذا كان المغزى جديداً سيكون في صورة جديدة… الصورة الشعرية هي روح الشعر وهواؤه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ومن الغربة... قصيدة:

هذه القصيدة تحاول أن ترسم ظروف اجتراح القصيدة،

وكيف هو طين القصيدة، وأي ريح تأتي بمطر حروفها...

هذه القصيدة تحكي عن نفسها وتقول

إن الشعر هو الرسم وإبداع الصور بالكلمات

"خالد صابر"

 

طائر النهار

قصيدة نثرية

 

يُخْبِرُنِي

طَائِرُ هَذَا النَّهَارِ

الجَرِيح

"حِينَ تَنْظُرُ

إلَى ألْوَانِ الأَرْضِ

فِي هُوَّةِ تِلْكَ الوَهْلَةِ،

تَكُونُ فُرْشَاةُ الكَوْنِ

قَدْ نَثَرَتْ إِكْسِيرَ وُجُودٍ، مِنْ حَوْضِ عَيْنَيْكَ

عَلَى مَوْتِ الأشْيَاء

يَنْبَجِسُ ضَوْءًا

أُحَادِي النَّبْعِ، مَمْهُور الاِنْتِشَاء

مُتَمَاهِي التَّشَتُّت، مُتَرَامِي الأمْدَاء

لَمٌ يُبْحِر مِن أيِّ قَبْلٍ أو فَنَاء

لَنْ يُقْمِرْ فِي أيِّ بَعْدٍ

أو لِقَاء…"

تَمَامًا

مِثْلَ قُبْلَتِنَا هَذِه

مِثْلَ مَدَانَا هَذا

مِثْلَ نَحْنُ لا - نَحْنُ هَذَا

يَا جُولِينَار

"وتَكُونُ

تَكُونُ قِيثَارَةُ الكَوْنِ

قَدْ أمْطَرَت غِنَاءً بِكْرًا، مِنْ صَمْتِ السَّمَاء

يَحْكِي عَنْ بُرُوجِ العِشْقِ، وَرِيَاحِ الرِّثَاء

وَعَن طُفُولَةِ البَنَفْسَجِ

وَخَوَاتِيمِ اللِّقَاء"

طُوبَى

لِإكْسِيرِ ضَوْءٍ

انْبَجَسَ

وَبَيْنَ الفَجْأةِ وَالدَّهْشَة

مَالَ، وَعَسْعَسَ

شَكَّلَ

ألْوَانَ الأرْضِ

بِأزْمِنَةِ المَاء

وَعَتَّقَ بِسِرِّهِ، أسْرَابَ

السَّمَاء

لَيْسَ لِي

إذْ أُغْمِضُ عَيْنَيَّ

بَيْنَ وَهْلَتَيْن

إلا أَن أُقَبِّلَ شَفَتَي المُسْتَحِيل

وَأنْثُرَ ضَوْءَ اسْمِكِ

يَا جُولِينَار

قَصِيدَةَ شِعْرٍ، هُوَيْئَةَ إكْسِير

لَمَّا يَطْفُو اللَيْلُ

بَعْدَ قَلِيل

وَيَغْفُو عَلَى تَضَارِيسِ الفَنَاءِ

وَالهَدِيل

 

آيرلندا، ٧ يونيو ٢٠٢٣

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

      ومنه... أشعار:

حِينَ

أتَّكِئُ عَلَى غَيْمِ النَّرْد

مَطَرَ الرُّومِ أرُومُ

وَأقْحُوانَ البُعْد

قَمَرَ الفِضَّةِ أرْنُو،

وَبَنَفْسَجَ الغَد

يَقْطُرُ

مِن باحَةِ يَدَيّ

غُصْنُ نَجْمٍ

مِنْ وادٍ وَوَرْد

يَنْدَثِرُ

فِي واحَةِ عَيْنَيّ

وَطَنٌ مِن ظَمَأٍ

وَزَمَنِ المَهْد

وَحِينَ

تَهْوِي سَمائِي

وَتَنْطَفِئُ أبْراجِي

يَنْدَمِلُ جُرْحُ عَيْنَيّ

وَطَنًا، زَمَنًا

مِنْ لَحْد

 

دبلن، ١٥ سبتمبر ٢٠٢٢

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أَيْنَ

يَبِيتُ القَمَر

حِينَ يَنْفَقُ العِشْقُ

وَيَنْفَطِر

وَلِمَنْ

يَفُوحُ الزَّهْر

حِينَ يَخْفَقُ الوَتِينُ

وَيَنْشَطِر

وَأَيْنَ

تَأْوِي النُّجُومُ

وَتَهْتَرِىء

حِينَ

تَذْوِي العُيُونُ

وَتَنْطَفِىء

 

دبلن، ٢٦ يونيو ٢٠٢٢

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لآ

 

لا

تَحْتَاجُ القَصِيدَة إلَى عُنْوَان

القَصِيدَة

لَيْسَت أطرُوحَة، أو مَقَالا، أو رِوَايَة

القَصِيدَة صُدْفَةٌ، وَسَدِيمٌ، وَغِوَايَة

كَيْفَ

تَجْرُؤُ أن تُعَنْوِنَ الذِي بَعْدُ لَم يُوجَد

كَيْفَ تَتَجَرَّأُ أن تُسَمِّيَ الذِي بَعْدُ لَم يُولَد

القَصِيدَةُ

تَلُوحُ وَتَمْضِي

تَشْتَعِلُ وَتَنْقَضِي

تَنْبَعِثُ فِي غَمْضَةٍ وَدَهْشَةٍ

دَوْمًا فِي تَجَدُّدٍ وَانْوِجَاد

مِنْ زَمَنِ مَهْدِهَا، وَرَمَادِ زُهْدِهَا

فِي تَشَتُّتٍ وَاتِّحَاد

تُولَدُ القَصِيدَةُ

فِي لَحْظَةٍ مَا هُنَا

وَفِي لَحْظَةٍ مُوَازِيَة مُوَارِبَة

هُنَاكَ

فِي مَجَرَّةِ قَلْبٍ قَارِئٍ بَعِيد

تَتَحَوَّرُ وَتَنْصَهِرُ

وَتَنْوَلِدُ قَصِيدَةً أخْرَى

أكْثَر جَمَالًا، أبْهَر صُوَرًا

وَأكْبَر ألَمًا

اُتْرُكِ القَصِيدَة

تُعَنْوِنُ جُرْحَهَا مِنْ رَمَادِهَا

اُتْرُكِ القَصِيدَة تُمَارِسُ طُقُوسَ غِوَايَتِهَا الأخِيرَة

هِيَ تَتَحَدَّاكَ أن تُغَامِرَ بِعَنْوَنَتِهَا

حَتَّى تَهْوِيَ عَمِيقًا

فِي حُبِّ الحَرْفِ وَالكِتَابَة

حَتَّى تُضْحِي أسِيرًا

فِي غَوْرِ الصُّورَة، وَجُبِّ الصَّيْرُورَة

القَصِيدَةُ

لَمْ تَكْتَمِل بَعْدُ

طَالَمَا أَنْتَ لَسْتَ الصُّورَة وَالصَّيْرُورَة

وَحِينَ سَتَكْتَمِلُ

بَعْدَ يَوْمٍ، بَعْدَ عَامٍ

بَعْدَ مَجَرَّاتٍ، بَعْدَ تَصَادُمَاتٍ وَأزْمَان

سَتَكُونُ قَدْ صِرْتَ القَصِيدَةَ

وَالعُنْوَان

 

آيرلندا، ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٢

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    ترجمة أدبية إبداعية لنص شعري نثري للشاعر المغربي خالد صابر / آيرلندا.

Khalid Saber

المترجمة: الأستاذة خديجة الحمراني مدير تنفيذي نادي الترجمة الأدبية.

Khadija Elhamrani

——————————————————

النص الشعري العربي المترجم: تسألني.

للشاعر المغربي خالد صابر.

——————————————————

     الترجمة الأدبية الإبداعية:

Ô humain ...

Les canons des armes

Me demandent:

Tes paroles triompheront-elles sur le terrain de bataille?

La poésie va-t-elle guérir

Tes blessures?

Toi…

Né du chant de l'anéantissement

Du début jusqu'à la fin

La chanson des larmes

M'interpelle:

La poésie va-t-elle mêler

Le corps vitré de tes yeux

À la poussière d'étoiles ?

Va-t-elle détecter tes atomes dans la nébuleuse de l'irréversibilité?

Toi… L'être scellé par le mal de l'invisibilité

Toi... L'être désigné par le souffle de l'exclusivité

Traduit par Khadija Elhamrani.

Maroc.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* النص الشعري العربي المترجم:

تَسْألُنِي

فُوَّهَاتُ بَنَادِقِ الجُيُوش

هَلْ سَتَنْتَصِرُ كَلِمَاتُكَ فِي المَيْدَان

وَهَلْ سَيُدَاوِي الشِّعْرُ

جُرُوحَكَ أيُّهَا الإنْسَان

أَنْتَ

المَوْلُودُ فِي أنْشُودَةِ الفَنَاءِ

مِنَ الألِفِ لِليَاءِ

تَسْتَوْقِفُنِي

أهْزُوجَةُ الدُّمُوع

هَلْ سَيَمْزِجُ الشِّعْرُ

زُجَاجَ عَيْنَيْكَ بِغُبَارِ النُّجُوم

وَيَسْتَشِفُّ ذَرَّاتِكَ مِنْ سَدِيمِ اللا رُجُوع

أَنْتَ

المَخْتُومُ بِدَاءِ اللا مَرئِي

أَنْتَ المَنْشُودُ بِهَوَاءِ الاسْتِثْنَاءِ.

إبداع الشاعر خالد صابر.

آيرلندا ، ١٨ نوفمبر ٢٠٢٢  

 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة في رواية "عِقد المانوليا" للكاتبة المغربية نعيمة السي أعراب بقلم الناقد عز الدين الماعزي

العاشق الأسود / قصة قصيرة / نعيمة السي أعراب.

أطياف المرايا / قصة قصيرة / الأديب المغربي الأستاذ رشيد مليح.