قراءة في رواية "عِقد المانوليا" للكاتبة المغربية نعيمة السي أعراب بقلم الناقد عز الدين الماعزي
قراءة في رواية
"عِقد المانوليا"
للكاتبة المغربية
نعيمة السي أعراب
بقلم الناقد المغربي
عز الدين الماعزي
الرواية التي لا تشبه أحدًا لكنها تشبه الجميع
حبست أنفاسي المتقطعة؛ أتابع بشغف توالي أحداث رواية "عِقد المانوليا" للروائية نعيمة السي أعراب، الصادرة في 254 صفحة من الحجم المتوسط عن الراصد الوطني للنشر والقراءة، مطبعة سليكي أخوين طنجة نونبر 2022، مهداة:
"إلى أخي سعيد، ...، أنت هنا دائما، ويمكنك قراءتها من هناك!"
"الكلمات، في آخر المطاف، تصنع الحب" أندري بروتون.
"حياتنا لحظات، لحظات فقط. لحظات هشة لكنها ثمينة، عظيمة كانت أو بائسة..." (ص.5).
هكذا تبدأ الرواية ممجدة آلامها وحبّها وهي تسرع الخطى نحو بطلها نوري بابتسامة مشرقة... تشاركه الأثر الجميل بتفاصيل مثيرة.
هو عمل إبداعي، روائي أول "بلغة شاعرية وبكثرة الشخوص واستعراض الأمكنة"...، وعناوين مفاتيح:
افتح عينيك، الفراشة، الخطة، الأمير النائم، الموعد...، بهندسة معمارية. والروائية مهندسة خريجة المدرسة المحمدية للمهندسين فوج يونيو 1995.
ما أثارني أولا في الرواية، هي المقاربة النقدية التي أنجزها الصديق الأستاذ عبد الرحيم التدلاوي، مُحبّبا إليّ البحث عنها ومراسلة المبدعة، والإحالة إلى تواجدها بمكتبة المدينة التي أتواجد بمحيطها، قراءة أغوتني وورطت شهيتي.
بلغة جمالية، تستدعي الروائية القارئ "كل ما أريد، هو المساهمة في إضفاء لمسة من الجمال على هذا العالم وجعل الأرض مكانًا ألطف للعيش، رغم كل البؤس والقبح المحيطين بنا!" (ص.32).
توقفت عن متابعة القراءة لظروف قاهرة، وكي يستيقظ نوري من غيبوبته الطويلة، كان علينا أن نستيقظ باكرا ونهتدي باقتراحه "تدوين الأفكار التي تخطر لها أثناء المشي" (ص.36).
ويحدث أن يطرقَ السفر بابي فجأة، لأنصرف عنها بعض الوقت، رغم مرافقتها لي ضمن اهتماماتي، وكنت كالأمير المنوّم، (أنا) أتصفح الصور والذكريات لأن لها "قدرة عجيبة على اختزال وحفظ اللحظات الثمينة من حياتنا!" (ص.39).
بعد عودتي، عدت إليها أستحضر اللحظات الجميلة بأريج زهرة المانوليا، أشمّ أسرار الإبداع ومتابعتها لمساحات الجمال الطاغي بكل قوة في حرصها على اختيار أشكال الفساتين وتناسق ألوانها، أتابع بشوقٍ سردها المطرز بطعم الفطائر التي خرجت للتو من فرن قلبها (ص.44)، بسحر يأخذنا بالأحضان، وكان الخفق يبدأ من الموعد (ص.45).
هذا السحرُ يأخذنا إلى مساحات الجمال عبر دراسة التاريخ وفهم الحاضر بأحداثه الاجتماعية والسياسية (المقاطعة، الحراك، الاعتقالات...)، وهي تنقلنا لقراءة اللوحات والتحف الفنية، لأن اللوحة في نظرها لا تختلف عن الكتابة "عليّ قراءتها كقصة متكاملة". اللوحة قصة، لها إغراء ولغة أخرى، وهي على الجدار، وهي تتغنّى بالقول "إن فشل تجربة عاطفية سابقة لا يعني نهاية العالم" (ص.50)، وهي تتنغم بأغنية "شادية":
"يا همس الحبّ يا أحلى كلام
أنا سلمت قلبي والسلام".
تحيط عالمها المشاركة في همّ ومطمح الكتابة "أكتب لنشر أفكاري قصد التوعية وتصحيح المفاهيم، ولم لا تغيير العقليات واصلاح المجتمع؟!" (ص.71).
وفي مشاركة القراءة والكتابة مع المريض لإنقاذه من الغيبوبة، واهتمام الطبيب وأخيه مراد بالأمر، لأن للكتابة سرّ خاص "الكتابة مهمتها العزاء"؛ فأغاني شادية ومحمد الحياني ونجاة الصغيرة ونعيمة سميح وأم كلثوم وفريد الأطرش وبهيجة إدريس وغيثة بن عبد السلام وأحمد الغرباوي ولويس فونسي وفرانك سيناترا...
تسارع وتيرة الأحداث المتشابكة؛ أحداث الكتابة والتفاصيل اليومية في الرواية هي استعادة تفاصيل التواريخ والأمكنة. لها روح وطابع إنساني بشخوصها المختلفة ما بين المثقف والفنان والطبيب، ولها تجارب مختلفة في البحث عن السعادة وعيش الحياة.
ما طبيعة الاستعادة والاسترجاع؟ هل هو استرجاع فعلا أم استرجاع للتطهير..؟
ومعنى الاسم والمعنى والعروض، ما علاقة ذلك بأوبريت عايدة ومعنى الحب والوفاء؟ هل القصة ككل، لها تماه مع قصتها في حبكة النهاية؟
ولأن الكتابة تحضر في التذكر وتحليل الوقائع، وهي تحول الحلم إلى فراشة بيضاء تحلق، هو تحول لعبة الكتابة في السرد بالتفاصيل إلى لعبة الضمائر وعدم تتابع الأرقام 18 و19 في الرواية.
تمتازُ الرواية بطرح أسئلة عميقة ومقلقة لتجاوز علاقات الحب والظروف والتعقيدات، إلى طرح مشاكل المجتمعات والأمم.
"هل ما نعيشه من مشاعر وأحاسيس مع أبطال الرواية، قد نجده في واقعنا؟ هل أصبحنا نتذوقُ طعم الحب من خلال الروايات فقط؟" (ص.162).
"هل تستطيعُ الكتابة تغْيير العالم من حولنا" (ص.225) أم تُغير الكاتب نفسه..؟
راهنت الرواية على الكتابة والقراءة لإخراج المريض من حالة الغيبوبة التي يعيشها، ونظرة الرجال إلى النساء ونظرة المرأة إلى الرجل، وبراعتها في طرح الأسئلة المهمة (الكتابة ثورة)، كبراعتها في اختيارها للملابس والألوان واللحظات المناسبة.
فكرة الكتابة لإيقاظ الحلم هو حلم الكتابة، كيف أصبحت كاتبة؟ والبحث عن الشجرة المفقودة هو بحث عن الهوية المفقودة.
الخاتمة، بلسان نوري واللوحة الأولى (الخيول البرية). ولأن القراءة تحيي الذاكرة، فزهرة المانوليا "يقولون إنها من أقدم الأشجار المزهرة، ويبدو أنها تحيي الذاكرة!" (ص.246)، وتمجد القراءة وفهْم مكنونات اللوحة هي فهم حياتها.
"وكأني كنتُ في حاجة لأعيش كل ما عشته حتى أفهم أخيرًا!" (ص.248).
ولإيقاظ "تذكر ما قلت لي يوما، (الحب ينتصر في الأخير)؟". هي رحلة بحث للذات، وبحث عن حقائق ما بين الشك والحيرة.
تعليقات
إرسال تعليق