"العزيف" / نص مسرحي من فصل واحد / الكاتب والمخرج العراقي منير راضي / النص الذهبي الفائز في مسابقة الرؤى المسرحية 1 / السلسلة الثانية 2024 / في إبداع النص المسرحي من الفصل الواحد

العزيف
نص مسرحي من فصل واحد
النص الذهبي الفائز 
في مسابقة الرؤى المسرحية 1
 السلسلة الثانية 2024
في إبداع النص المسرحي
من الفصل الواحد
المنظمة في إطار مسابقات
مجلة الرؤى العربية للإبداع والنقد 
ـــــــــــــــــــــــــــ
(اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَع حَبَّة الْحِنْطَة في الأَرْضِ وتمُتْ فَهيَ تَبْقَى وحْدهَا. وَلكنْ إِنْ مَاتتْ تَاْتي بثَمَرٍ كَثِيرٍ).
= تأثيث المكان:
(مكان ضبابي يحتوي البعض منه كشواهد لحود ينبعث منها بعض الدخان الملون والبعض الآخر حفر صغيرة دائرية ينبعث منها لهيب أحمر يصعد إلى الأعلى والبعض الآخر حفر مستقيمة متوسطة الحجم مسلط عليها إضاءة متوسطة اللون، مؤثرات موسيقية يختلط فيها نغمات حزينة غربية وشرقية الشجن مع همهمات صوتية يكون فيها اللغط متداخل كأنها في صراع محتدم، يدخل حفار القبور بحدبته الظاهرة وشعر رأسه الكثيف وبملابس رثه يغطيها معطف كبير يصل قدميه وقد حمل بيده اليسرى الفانوس أو مشعل ناري ويرفع بيده اليمنى فأسًا كبيرًا قد وضعه على كتفه اليمنى وهو يرتل جملة معينة ويرددها بشكل مستمر حيث يكون دخوله من بين الجمهور أو يدخل إلى باحة المسرح عن طريق "الداتاشو" حسب قناعة المخرج وعندما يظهر على الخشبة يعم الصمت الكامل).
الخطاب المسرحي: الرؤية التأليفية لهذه الحيوات هي عبارة عن رؤى مفترضة بجدلية الشخصيات وفكرة النص الذي يناجي أو يتغزل في مشهدية واقعية جدلية سيق من خلالها مجريات الاحداث التي ترتبط مع بعضها الافتراضي الملغوم بأسرار هذه الشواهد وما يحيط في بيئتها من ماض عتيق مع عالم حي لا يعرف أسراره إلا من كان له فرضية الوجود من العدم، الميكانيكية في الفعل يقابله "داينمو" حركي حي وهو ضرب من التخيل والإرهاص النفسي، الكل يدور فوق تل من الضباب بانتظار الشفق الأحمر وصرخة النهاية في عالم بني على أكوام من لحم الفقراء حتى في المآتم واللحود، إنه الصراع الأيديولوجي الذي لا ينتهي إلا بانتفاء العروش.
الحفار: (يتأمل المكان بصمت وحذر) اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِن لَم تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ في الأَرضِ وَتَمُتْ فَهي تَبْقَى وحدهَا. ولكِن إِن مَاتَتْ تَأْتي بِثَمر كثِير (يتجول بين الأشياء) من قاع قبري أصيح حتى تئن القبور. هكذا أسمع المراثي هنا كل يوم بل حتى صمتهم يفور، إني أسمعهم جيدًا، إنهم الآن في فرديات الغربة ولا يوجد لديهم متسع من الأمل (يضحك بسخرية ثم يلتف ويتقدم إلى الجمهور) إنهم يخافون حتى ضوء القمر (أثناء حواره مع الجمهور تظهر الأشباح في اللحود والحفر وبأشكال ضوئية مجسمة بشكلها الآدمي)
باتت رؤية الضوء كأنها تقودهم إلى الهاوية (يضحك بسخرية) إنهم مجموعة من العقد والخيبات والأزمات (ينتبه ثم يستدار فتختفي الأشباح) عودوا للنوم أيها السادة وانعموا بلذة الانتظار فعقارب الساعة تدور ولو إلى بعد حين (يصفر بصافرته ثلاث مرات فتظهر الأشباح بشكل غير مرئي).
شبح1: (غير مرئي) كفاك تهكمُا أيها البائس... فكلما ضجرتُ بما أنت فيه من شر حياتك تنطلق لنا دعوة نفير صافرتك إلى النوم أو لوعيد الانتظار.
شبح2: (غير مرئي) لقد عبث بنا النوم حدّ الخدر فصيرنا دخانا أيها الحوذي.
الحفار: لقد جئتكم بفانوس الضوء كما طلبتم أيها السادة (تهتز اللحود والحفر وينبعث منها دخان كثيف) آسف سادتي إن كنت قد بالغت في الحديث.
شبح3: (يتحرك وغير مرئي يطفئ الفانوس) أنت أيها النطيحة عليك بمخاطبة أسيادك بذوق وخنوع (يضع بين يدي الحفار تاجًا ذهبيًّا).
الحفار: (مع نفسه) يبدو أني أثرت فيهم الغضب هذا اليوم.
شبح1: سمعتك أيها المأبون، نعم هم لا زالوا غاضبين منك منذ تلك الليلة.
شبح2: كف عن هذا الهذيان فقد مللت من وجودك معنا.
الحفار: أكرر أسفي، إنكم في حالة تفكر دائمًا، اعتذاري لقد اقتحمت عليكم خلوتكم ومناظرتكم مع بعضكم في مملكتكم.
شبح1: (يتحرك وغير مرئي) كيف لا وأنت لا تزال لا تفرق بين المالك والمملوك، وبين بوصلة الغرب من نخاسة الشرق (يضع بين يديه الدف).
شبح3: أنت يا قذارة الشواهد وتواريخ الأمم، ما زلت لا تفرق بين السيد والعبد، نحن من جعل منكم أبجدية الجنس البشري.
شبح2: (يخرج يده من الحفرة وهو غير مرئي) ونحن أمة توسطت السوط والسيف فجعلوا منا رقيقًا يساق كما تساق الإبل الظامئة نحو المفازات.
شبح3: (يتحرك ويقف عند يد شبح2 بشكل غير مرئي) أنت؟ سوف لا تغادر سبات عبوديتك حتى قيام الساعة، هيا تحسس شسع نعلي أيها المتمرد فلا زلنا أسيادكم حتى وإن كنا في ظلمات النفي الأخير فما زالت ساعة القصاص لم تحن بعد.
شبح2: أنتم لستم أسيادي.
شبح1: (غير مرئي) نحن أردنا أن يكون ريع مَدنا الآدمي كمشط القدم يا هذا.
شبح3: (غير مرئي ولا زال في مكانه قرب شبح2) أنت يا بقايا عظام الموائد والأغوار وأشدها مسخًا، ترفض أن يكون لك أسياد وهم الذين صنعوا منكم هيكلًا بشريًّا يأكل ويتنفس ويتزاوج.
الحفار: أنت أيها العبد اغتنم هذه اللحظة وأطع سيدك وها هو يفتح لك ثغرًا في أبواب الطاعة.
شبح3: (ما زال في مكانه وغير مرئي) هنا هو آخر المطاف لك من داخل شاهد بارد نتن وإياك والعصيان.
شبح1: (يبتعد وهو غير مرئي) (يضحك بسخرية) احترس من الأفاعي.
شبح3: (وهو لازال في مكانه وغير مرئي) أبعد يديك عن مقبض الدف وانحن إجلالًا لتاج الأسياد.
شبح2: (غير مرئي) كفاكم جنونًا... الكل هنا في أتون هذا الانشطار والتشظي والهذيان… فأنتم أرواح هائمة لا مستقر لها وستلاحقكم كل أبجديات الحيف الدنيوي، أنتم صيرتمونا أشباحًا منذ التكوين الأول للأحياء.
شبح1: (غير مرئي) هنا في أقبية الكوابيس ونفايات الأفق الأخير.. نحن هنا في سجايا ماض سحيق... نحن الآن نعيش في توابيت الذاكرة... الكل يعرف مقدار وحجم تعاسته.
الحفار: (وهو يبتعد) أنت يا حليف الحسرات، ارفق بروحك الهائمة وأطع ولاة الأمر.
شبح3: سمعتك أيها الحفار (يمسك بمعول الحفار وهو غير مرئي) أنت تعلم أني أغور في كل ما تنبس به هواء رئتيك، انت تعرف أننا الآن في معركة العقل.
الحفار: أنتم تعتقلون حتى الجنون الذي يستوطن عقلي.
شبح1: (يطير ويقف عند الحفار وهو غير مرئي) هل أغاظك ما نود فعله أيها المسخ؟
الحفار: بل الذي يغيظني هو خطيئتي يا سيدي.
شبح3: أنت من نفايات جينة نافرة وأوراق غصنك نسي جذره أيها المعتوه، أين الموسيقى، أريد موسيقى تنعش القلب بعد هذا الشقاء.
الغانية: (صوت رقيق نسمعه فقط) لا تزال تفاحتي تتقاذفها فحولة الرجال.
الحفار: (يفز من مكانه ثم يدور في المكان وتختفي الأشباح) أيتها الروح الهائمة لا مستقر لك هنا، عليك الإفلات من هنا، عودي لقبرك البارد لترقدي بسلام .
الغانية: (تضحك بسخرية) أتعرف أيها الرجل، لطالما بحثت عن بقايا روحي الهائمة كثيرًا، فوجدت لا مستقر لها إلا في سلال من التفاح الأحمر.
الحفار: أوراق غصنك المنكسر يوصي بأنك منتحرة.
الغانية: لا تخف، نحن سلالة تمتد من أفق الغصن الأول للخطيئة، ولا تزال عالقة في السماء، اقترب، أو أنا أقترب إليك.
الحفار: (يتكور جسمه) بدأ البرد يحاصرني.
الغانية: تعال، ادن مني... لا، بل أنا سألتحف بك.
الحفار: (يرتجف) أجزم أن لساني ابتلعته أفعى السماء... أنتم يا من هناك أحضروني الساعة (تظهر الأشباح بشكل مرئي ويلف أجسادهم لفائف المومياء ويتنقلون هنا وهناك كالأفاعي).
الغانية: ها أنا بين يديك، ما عليك إلا أن تفترس خصرًا إن مال لعب به الهوى كأوراق شجرة اللبلاب، عليك البدء بشوط من الشهقات الملتهبة.
الحفار: (يعتصر جسمه) أيها الرب، إن هذا عار مجاني.
الغانية: (يظهر شعرها فقط من تل التراب) هيا... اقتنص اللحظة، فما عاد هناك تابوت للقيامة يفتح.
الحفار: (يعتصر جسمه أكثر فأكثر) أظن أن هذه هي فاتورة شقائي.
الغانية: (يظهر نصف جسدها من تحت الترتب) هيا... امتط شهوة إكسير اللذة الحانية، فليست هنا أعراف وسنن تحول دون ذلك (الأشباح يدورون حول الحفار بشكل احتفالي).
الحفار: إنه حلم آخر ينسل من عمق عذاباتي... إنها الساعات الأخيرة من نكباتي... ها أنا ذا أشاهد وجوهكم التي تنزلق منها الشماتة بلعنات عالمكم المكروه هذا.
الغانية: الكل أصبح بلا وجوه، أنت أيها الهجين امضغ شهوة الاحتدام الآن كي تكتمل جمرة الرعشة (الجميع يلتف حول الحفار حتى يضيق به المكان).
الحفار: (يصرخ) يا إلهي (يضرب الأرض بمعوله فينفرج عنه الآخرون) ما زلت امتحن في مغاليق الأمور (يهرب إلى الخارج).
الغانية: (تنادي الحفار ) أنت أيها الشيء (تضحك بسخرية) سترجع إلي، فما زال هناك زمن آخر أيها العقيم.
شبح2: (ترتفع يداه ورأسه من فوهة الفتحة الأرضية) أناس يمخرون ويرقصون … أناس جاء بهم القدر من كل صوب وحدب.
شبح3: (يتحركون نحو شبح2) أنت أيها البليد، أخبرنا عن مبالغة الدهشة الآن لديك.
شبح1: ماذا ترى في أفقك الممسوخ يا هذا؟
شبح2: (ينهض بجسمه كله) ما زال الناس هناك أو هنا يستبدلون في كل لحظة قناعًا وصوتًا.
الغانية: سيبقى خيالك تشوبه تلك الامراض الآدمية، أنت الآن خارج نطاق المنطق يا هذا.
شبح2: ما زال الجرذ الأعمى يقف خلف القضبان وينادي، إنها ساعة الصفر قادمة لا محالة، ستصفر بكم صافرة الوحاش ويخسف القمر والليل والشجر.
الغانية: كفاك هوسًا أيها العبد الفاني.
شبح2: ابتعدي عني، فأنا رصيف مختلف عن مراسيك.
شبح3: إنكم أبجدية الهوامش في موسيقى الرب.
شبح1: ونحن طواعين النزعة ا لأولى ومنبت الشقاء، فلا نفنى حيث النفخ في الصور الذي لن يأتي (يضحك بسخرية).
شبح2: بل أنتم أصل الخرافة ونحن أولاد الرب.
الغانية: وأنت من أنت؟ ... ها قل لي من أنتم.
شبح1: أنت ومن معك عبارة عن لهيب الشرق ونحن من أشعله.
شبح3: إن عرشكم ما هو إلا تل من رمل، فكنتم خير النعام فيه.
شبح2: سيكون موتكم مجانيًّا، ولو بعد حين.
شبح1: لا درب لكم... لا فنار ضوء يرشدكم... لا بوصلة ودالة اتجاه لنجاتكم.
شبح3: هنا سنقيم لكم وطنًا مستعارًا، حيث العطش والخوف والتزلف إلى الرب، جهزوا أضاحيكم أيها الجنس الفاني.
شبح2: أنتم أسماء مستعارة، فلن يكون لكم خلود، حتى وإن حكمتم السماء.
شبح3: (مؤثرات موسيقية جهنمية الصورة، شبح3 يتحرك نحو كل الفوهات والحفر وهو ينزع عن جسمه اللفائف ويصاحبه في هذا الجو كذلك شبح1 والغانية ويفعلون ما يفعل حتى تظهر ملابسهم وأشكالهم الحقيقية وهم نيرون وزوجته سابينا وكاليكولا، وتظهر مجاميع من الأشباح كخيال الظل أو على "الداتشو" وهي تنحني وتسجد وتمجد الإله نيرون وتغني بصوت كورالي وشبح3 الذي هو نيرون يقف وسط هالة من الدخان الأحمر الذي خرج من كل الفتحات).
نيرون: أنا إلهكم الأوحد، أنا الشعر والموسيقىن أنا الجمال في عيون قبحكم أيها الشعب.
صوت الكورال:
ذلك الشعب الذي آتاه نصرا هو بالسبة من نيرون أحرى
أي شيء كان نيرون الذي عبدوه كان فظ الطبع غرا
ارز الصدغين رهلا بادنا ليس بالأتلع يمشي مسبطرا
خائب الهمة خرار الحشا إن يواقف لحظه باللحظ فرا
قزمة هم نصبوه عاليا وجثوا بين يديه فاشمخرا
ضخموه وأطالوا فيثه فترامى يملأ الآفاق فجرا
منحوه من قواهم ما به صار طاغوتا عليهم أو أضرا
الزوجة سابينا: أيها الكون ها هو إلهك نيرون الكريم العطوف الودود يحنو على شعبه بالهدايا والعطايا، أيها العازف اجعل أوتار آلتك تعزف لحن الخلود لنيرون العظيم (يظهر ظل العازف خلف الستار ويقوم بالعزف).
كاليغولا: حلق بعزفك الخلاب لوريثنا من حيث الأمهات الملكات، إنه نيرون القابض على قرص الشمس، إنه ابن روما وإله المجد، ملك ملوك السلالة اليوليوكلاودية.
نيرون: (وهو منغمس روحيًّا مع الموسيقى) الآن ينتابني إحساس حزين بالغربة وهجر الخلان، مع أن هذه الفتحات المضيئة بدخان شواهد روما أشم فيها رائحة الإله... هناك كنت أجلس عند احمرار قرص الشمس الملتهب بلونه الناري وهو يسبح في أول نفحات المساء فتتشظى داخل روحي المضطربة جملة من الرغبات، فأستل آلتي الموسيقية، وتطرب فيها أحلام شجية.
شبح2: الشعب في تيه من أمره، والناس تلتقم الحصى، ووطن استباحه الغرباء وهو يتعطر ببخور الثكالى من الأمهات في محرقة الموتى.
الزوجة: صه أيها العبد (تنادي على نيرون) أكمل أيها الإله.
نيرون: وهناك في آخر المساءات تأتي فارعة القوام بوجهها المضيء... إنها زوجتي، تحمل بين يديها شعلة روما البريئة، فتصيح روما لي... هَيْتَ لَكَ (تتقدم إليه الزوجة).
شبح2: كل الحكام المردة يتفننون بالألفاظ النزقة ويبصقونها على الأسماع، وكأن الخليقة أصبحت حاوية نفايات، أما أحلامنا فقد وأدتها آلهة مجنونة.
الزوجة: أنتم أمة تبغض الأحلام وتعشق الرق وتتباكى على ما اندثر.
نيرون: وهناك في روما عند غبش الصباح أرى أمي وهي تهتف بالشعب وتصيح، نحن بقايا النسل الأخير من الدم الآدمي، فعليكم بالطاعة والولاء (يصرخ) أين مني ذلك الأمس؟ أَعاصٍ أنا حتى يضرم القدر بوجهي كل لهيب الجحيم؟ أَطاغوت أنا، أم مأزوم العقل فلا أدرك ضالتي.
الشبح2: أيها الناس، من منكم يريد أن يتطهر من نجاسة الدم المسفوح على الرمضاء... من منكم يريد الهرب من الفتن وآثام الدنس والعبودية... من منكم يريد وجه الحقيقة وانعتاق الفكر، فليغتسل من ماء بئر يوسف... سيأتي يوم يكون فيه إخوة يوسف منشطرين بين غازٍ وآثم.
نيرون: سيكون في هذا البئر ذاكرة ستحتفظ بجريمتكم أيها الفانون.
شبح2: أنت أيها المجنون، يا حارق روما العظيمة، أما زلت تتلذذ بدماء عبودية شعبك المقهور.
نيرون: (يضحك بسخرية ومعه الزوجة وكاليكولا) اسمعوا إنه يقول لي مجنون وسفاح للدماء ومشعل الحريق العظيم، عجبًا من عفة حيائكم الزائفة، أنت يا هذا، أسألك، كم مجنون اليوم عندكم.
كاليكولا: كم إله اليوم وطاغوت صنعتم ايها البلهاء.
الزوجة: وكم سفاح للدماء خلقتم، وكم مشعل للحراق يطير بألف جناح بينكم.
شبح2: ها أنت مثل نابليون كان يراقص البغايا على شعلة الحرائق والخراب بنشوة عارمة واصفًا إياها بآلهة الجمال.
كاليكولا: صه أيها المتمرد.
نيرون: دعه يتكلم أيها الإله والأب كاليكولا العظيم.
الزوجة: اصمت أيها الخفاش الحقير.
نيرون: إنك غير عادل في ما تقول أيها الفاني.
كاليكولا: لماذا تنكرون ما تقوله كتب التاريخ عن نيرون العظيم.
الزوجة: كان زعيمًا سخيًّا ومعقولًا، فقام بإلغاء عقوبة الإعدام، وخفض الضرائب وسمح للعبيد بتقديم شكاوى ضد أسيادهم.
كاليكولا: وكان يؤيد الفنون والرياضة والترفيه، وقدم المساعدات لمدن أخرى كانت تقبع في الدرك الأسفل من الفقر والتهميش.
شبح2: ها أنذا الآن في رفقة العفاريت.
الزوجة: لقد شقينا بك كثيرًا يا هذا.
شبح2: ولن أكون داخل خارطة انتمائكم.
نيرون: اخلع معطفك فأنت في حاضنة التاريخ.
شبح2: وأنا مجبول بكم منذ مئات السنين، سأخرج لكم من شرنقة التواريخ كي أكون شاهدًا على ما اقترفتموه من آثام وفتن وكوارث.
(نيرون يجلس جلسة الملوك ويقف خلفه كاليكولا وتجلس الزوجة جلوس العبيد على يمين نيرون وهم ينظرون إلى الشبح2 الذي ينفض عنه ما لف به جسده ويظهر بلباسه العصري حيث البنطلون والقميص ونظارة طبية ويحمل بيده كتابًا).
نيرون: (يضحك بسخرية فيضحك الجميع) ما هذا؟ أنت شاعر على ما يبدو.
الشاعر: (شبح2) أتظن ذلك؟
نيرون: لا تزال ذاكرتي متقدة مذ غادرت الوطن العلوي والشك لا يمحق بصيرتي فيما أرى.
الشاعر: وأنا كذلك، فأنا ما زلت الشاهد والشهيد في عوالم الزمن.
نيرون: منذ زمن بعيد لم أَر َمعلمي يحمل كتابًا.
الشاعر: معلمك سينكا هو آخر وجه لحقيقتك.
نيرون: اعلم أيها الشاعر عندما تفترش الكتب الأرصفة... عند ذلك سيكون هنالك أناس يغطون بنوم عميق.
كاليكولا: احزم أمرك يا هذا، فهناك ظلام سيجتاح كل ضوء.
الشاعر: أنا من نسل ينحدر من جينة معتمة تفتش عن ضوء أخضر.
نيرون: أفق من لحاظ غفوتك وتأمل في ذلك الدجى، سترى هول ما صنعتم.
الشاعر: إن أقبيتكم هذه تجتر الردى، وتختزن الحسرات، والوأد أجهض وجودكم فلا مفر لكم.
كاليكولا: أنت تتكلم عن الرسائل التي انهمرت من السماء وتصرخ بالنيام، أتعرف، إنهم لا زالوا يمضغون الأحلام وكوابيس الحروب.
الشاعر: جريمتنا أننا كنا نطيل النظر كثيرًا إلى السماء.
الزوجة: (تخاطب نيرون) هل نقيم الطقس أيها الإمبراطور العظيم؟
نيرون: هنا سنبني مملكة جديدة... ونسن القوانين... ونعيد كتابة التاريخ من جديد، الملك هو الملك والحاكم، هو الحاكم والإله هو الإله، أما الشعب فسنعيد ترتيب جيناتهم حسب أبجدية الجهات الأربع.
الشاعر: أنتم تخونون الملكوت بعدما عصفت بكم ريح من لهب ودخان.
نيرون: اصمت يا هذا، هنا هجعت أرواحنا في أديم الآخرة دون أكفان أو حنوط، هنا سأعلن مملكتي، وعلينا أن نبتكر لغة جديدة لزمن جديد، أنا الإله نيرون الذي سيعيد ترتيب أبجديات الكون بعيدًا عن الجحيم المزعوم... اليوم أقيم عليكم الحد أيها المعاصرون.
الشاعر: وأنا قبلت هذا الحد المزعوم لك، فلنفتش في التواريخ المبعثرة.
نيرون: أنتم أيها المعاصرون أصبحتم كتلك العاهرة تجهل من واقعها خلف ستار خطيئتها وتجهضون لقيط بكارتها.
الشاعر: نعم، أقر بذلك، فهناك من نحر قسرًا وبغير شرع.
الزوجة: دعك من الأحاجي، وقل قولًا ميسرًا، ولا تتهرب خلف الأكمة الزائفة.
الشاعر: إن الرب يتحاشى من الخلق الشعراء... أليس كذلك؟
كاليكولا: حجتك ضعيفة، وها هو الإله نيرون قد كان له معلمًا وفيلسوفًا وحكيمًا وشاعرًا نَيِّرًا في خدمته، إنه الفيلسوف والكاتب سينكا ابن روما البار، ولكنه بالغ كثيرًا في حكمته كسقراط المتمرد على الإله.
الشاعر: وبات الفيلسوف سينيكا وإلى حد ما صاحب الكلمة الفصل في شؤون الدولة كما في حياتك.
الزوجة: إلى ماذا ترمي يا هذا؟
نيرون: دعوه يكمل.
الشاعر: ولكن إلهكم نيرون سرعان ما راح يفضل الاستقلال بقراراته ورأيه ورأى أنه لن يكون قادرًا على هذا إلا بانعتاقه أولًا من سيطرة أستاذه الفكرية عليه، إذ بات يشكل بالنسبة إليه نوعًا من ضمير يقف وازعًا في وجه نزوعه إلى الشر الذي راح يلوح له باكرًا.
كاليكولا: إنك وحش بلباس آدمي.
الشاعر: أخبرني أيها الإله نيرون، كيف وأين مات الفيلسوف سينكا؟
نيرون: إنه مات حتف أنفه.
الشاعر: لا، ليس كذلك.
الزوجة: من أنت حتى تستوجب العظيم نيرون؟
نيرون: (يصرخ بهم فيجلسون عند قدميه طائعين) قلت دعوه يكمل.
الشاعر: صاحبكم لا يستطيع أن يطيق وجود أستاذ أرفع منه مكانة في الإمبراطورية ويعرف كل عيوبه.
نيرون: لقد انتحر معلمي بيده وليس بيد الآخرين.
الشاعر: نعم، بعد أن وجهت إليه تهمة يبدو أنها لم تثبت على الإطلاق، وتحديدًا لأنها كانت ملفقة أصلًا.
نيرون: إنه كان ضالعًا في مؤامرة عرفت بـمؤامرة بيسسون، وكانت تهدف إلى التخلص مني وتفكيك نظام الحكم.
كاليكولا: ولقد أمره حفيدي العظيم نيرون بأن يقتل نفسه عقابًا له على تآمره.
الشاعر: وكان الحكم الإمبراطوري يقضي بأن يمزق سينيكا شرايينه بنفسه بواسطة قطعة حديدية حادة، وأمام عدد من المسؤولين الذين يتوجب عليهم مراقبته ومرافقته حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة.
نيرون: (يشير إلى كاليكولا والزوجة) إلي بحفار الأتربة (يخرج الاثنان) أنت تتبجح علينا وعلى عصرنا الديمقراطي ذاك بمعاصرة زمانكم.
الشاعر: (يدور حول الحفر والفتحات) أنتم أيها التائهون في بحر الصمت، أغيثوا غرابًا أمسى ناعقًا عند أطلالكم... أي خبر أقض مضاجعكم؟ وحق الرب لو أن رفات الكون جميعًا حضرت الساعة لنطقت من هول القهر الذي أنتم فيه الآن (يزداد دخان الفتحات والحفر مع دخول كاليكولا والزوجة وهم يمسكون بالحفار وهو مصدوم لما يراه).
نيرون: (يخاطب الحفار) أنت يا تابوت التراب الذي يمتهن الوأد، أفصح لهذا من هم مشعلو الحرائق،
وأفصح أي منا له لسان عار مبتل بالدم.
كاليكولا: أنت يا معول الجحيم وتابوت العروش اسرد علينا ما يزكم الأنوف المعاصرة.
الحفار: اسمحوا لي أن أقيم على روحي صلاة الوحشة قبل أن أموت.
نيرون: (يضحك بسخرية) كم هو جميل أن يتمنى الآخر موته وهو يرقص عند قدميك مثل مهرج وضيع (تسمع أصوات النواقيس تقرع من بعيد).
نيرون: حان الآن النبش في أقبية الحرائق والدمار... افتح خياشيم أقفال الكون فقد حضرت ساعة النطق، هيا أيها الحفار.
الشاعر: أنت يا حفار التواريخ لم تبرح ذاكرتي يومًا ما، ولطالما أرقني وجود سفرك معنا وأنت تعبر الدنيا إلى قاع الجحيم، وها أنا اليوم أجيش أعتى قواي من أجل أن يكتمل النصاب.
الزوجة: افرش غطاء السرد أيها الحفار.
الحفار: وحق الرب أن طيوف الموت احتشدت في قبضتي الآن.
نيرون: هات ما عندك أيها الحفار، إن أمة الجحيم تستغيث بي الآن... فأنا أول تشريع سماوي... وأول بزغ آدمي يحاصر أفلاك الجحيم.
الحفار: إنها حكايات فيها ألف من القهر والقهر.
الشاعر: هيا... انظر إلى غياهب الجب، وارفع دلو الحقائق يا غراب المدافن.
الحفار: (ينهض ويتجول بين الحفر والفتحات) هذه الأتربة ودخانها ستخبركم أن قاعها الحالك هو أشد بريقًا من نهاراتنا المعاصرة.
الشاعر: وكيف ذلك أيها الحفار؟
الحفار: دهور من الطوفان يجتاح أبناء الرب.
الشاعر: لقد كان هذا (يشير إلى نيرون) من على شرفته ينظر إلى روما وهو يعزف على الكمان بينما تشتعل روما بحريق هائل.
الحفار: حتى تحولت الأعشاش على الأشجار إلى مناجم فحم.
الشاعر: ألقى نِيرون الذنب على فئة مكروهة لفواحشهم وخبائثهم وأوقع بهم أشد العذاب، إذ غُطيَت وجوههم بجلود البهائم ومزقتهم الكلاب حتى الفناء، وكانوا يُسمرون ويُثبتون على الصلبان أو يُلقون إلى النيران ويُحرقون للإضاءة في الليل حين ينتهي النهار.
نيرون: وقائعك مزيفة.
الشاعر: وشهد عصرك الدماء والحروب في عدة أماكن، في بريطانيا أثارت الملكة إيسيني بوديسيا تمردًا بعد أن جلدها جنودك واغتصبوا بناتها.
الحفار: الجنود من فعلوا ذلك ولست أنان ألم تفعلوا ذلك الآن وتسبون النساء وسوقهن لأسواق النخاسة؟
الشاعر: لقد تزوجت أختك غير الشقيقة أوكتافيا، ثم أقدمت على نفيها، وفي النهاية حكمت عليها بالموت بتهمة الزنى التي كانت تهمة باطلة وغير صحيحة.
الزوجة: كان زواج مصلحة من أجل العرش... فقط أنا زوجته المثلى.
نيرون: ألم يتزوج الآن رجالكم برجالكم ونسائكم؟
الشاعر: ثم قتلت أمك الوريث الشرعي للحكم.
نيرون: لقد عقت بي وكانت تقود مؤامرة من أجل الإطاحة بي.
الشاعر: ألم تفتك بالمدن والأمصار وهدمت الهيكل الثاني في أورشليم؟
نيرون: ألم تقتل بشريتكم ببراغيث جمرتكم الخبيثة وجعلتم العالم على كف عفريت؟
الشاعر: ألم تستعبدوا الناس وقد ولدوا حرارًا أيها الإله؟
كاليكولا: وأنتم، ألم تقتلوا رسل الرب المنزلين من السماء العليا، وجعلتم الناس درجات وأعراقًا، وألوانًا؟
الحفار: ربما أراد الشاعر إعلامنا عن مخاطر الانفراد بالحكم بقصة أخرى من قصص الطغاة الكثيرة، كما في مشهد إعدام بزرجمهر، الوزير النصوح، بأمر من كسرى ملك الفرس، في إعدام علني أمام الآلاف.
نيرون: ما كان لمُشعلي الحرائق أن ينفّذوا جريمتهم لولا تواطؤ صاحب البيت، وهذا ما يحدث في عصركم أيها المعاصر.
الحفار: وهناك أشهر الكوارث تمثلت في حريق لندن الكبير، ولكنه قيد ضد مجهول كما يحصل في وقتنا الحالي.
نيرون: وبعد؟
الحفار: وأيضًا حريق مايركي العظيم الذي حرق النسل والأرض، ولا ننسى أيضًا حريق شيكاغو العظيم الذي خلف الدمار في كل شبر.
نيرون: كل ذلك سجل ضد مجهول، ولكن حرائق الشرق كانت في واضحة النهار، وأنتم لحد الآن تعيشون في فاجعة هابيل وقابيل.
الحفار: أنا أول ضربة لمعولي كانت في بقايا أضراس الحرب... في الحرب ينعم فيها القحط، ويقحط فيها كل نعيم، مدن وأمصار لبست القطران، ونزعت الحرير، ونزحت البشرية صوب المنافي.
الشاعر: كل ما يحصل الآن هو وريث لجيناتكم المتوالدة هنا وهناك.
نيرون: أنت مقتول بذات الغفلة... أسألك وسيتساءل من معي أيضًا.
الشاعر: فلتحج أسئلتك إن كان في جوفها الحقيقة.
نيرون: من حق القاتل أن يدافع عن غريزة القتل.
الشاعر: أما القتلى فيقولون متأخرين... من حق الضحية أن تدافع عن حقها في الصراخ.
كاليكولا: من أي أقبية أنتم؟ ستبقون تعشقون الصراخ.
الزوجة: وستبقى سماؤكم رمادية رصاصية اللون.
نيرون: أيها الحفار، أَعِدَّ له عشاءَه الأخير، حفنة من التراب دون غسل.
كاليكولا: ودون كفن وعزاء، فهو مجهول الهوية.
الشاعر: لا يستقيم الظل والعود أعوج.
نيرون: سأعدله أنا وأنت تشاهد ذلك... أيها الموتى في الخارج والداخل، أنتم تسألون.
كاليكولا: ماذا يدور في بال نيرون، وهو يتفرّج على حريق لبنان؟ عيناه زائغتان من النشوة، ويمشي كالراقص في حفلة عُرْسٍ.
نيرون: هل هذا الجنون جنوني؟ لا، فأنا سيِّدُ الحكمة، فلتُشْعلوا النار في كل شيء خارج طاعتي.
الزوجة: وعلى الأطفال أَن يتأدَّبوا ويتهذَّبوا ويكُفُّوا عن الصراخ بحضرة أنغام نيرون العظيم.
الحفار: وماذا يدور في بال نيرون، وهو يتفرَّج على حريق العراق؟ يُسْعِدُهُ أن يُوقِظَ في تاريخ الغابات ذاكرة تحفظ اسمه عَدُوّاً لحمورابي وجلجامش وأَبي نواس.
نيرون: شريعتي هي أُمُّ الشرائع، وعشبة الخلود تنبت في مزرعتي.
كاليكولا: وماذا يدور في بال نيرون، وهو يتفرَّج على حريق فلسطين؟ يُبهجه أن يدرج اسمه في قائمة الأنبياء نبيًّا لم يؤمن به أَحد من قبل...
نيرون: نبيًّا للقتل كلَّفه الله بتصحيح الأخطاء التي لا حصر لها في الكتب السماوية، أنا أَيضًا كليمُ الله!
الحفار: وماذا يدور في بال نيرون وهو يتفرَّج على حريق العالم؟
نيرون: هل أنا صاحب القيامة الآن؟
الحفار: ثم يطلب من الكاميرا وقف التصوير، لأنه لا يريد لأحد أن يري النار المشتعلة في أَصابعه عند نهاية هذا الفيلم الكاوبوي الطويل.
الشاعر: ألم يتخلَّ حراس الإمبراطور الخاص عن حمايتك ودعم نيرون، وأعلن مجلس الشيوخ أن الإمبراطور قد أصبح عدوًّا للشعب، ثم قررت الانتحار في اليوم التالي.
نيرون: ما أجمل تلك الديمقراطية الحقة وهي أسمى من ديمقراطيتكم المعاصرة المزيفة.
الشاعر: وقيل إن آخر كلماتك كانت.
نيرون: آخر الكلم كان، يا له من فنان عظيم ذلك الذي يموت في داخلي.
كاليكولا: ورغم ذلك لم يمت نيرون العظيم.
الزوجة: بل مات العالم حين تنكر لابنه البار نيرون.
نيرون: الآن أزفت ساعة القيامة... فلتخرج كل رفات العالم حتى أعدل العدل بكسر سيفه وأنحر الكون قربانًا باسم الشيطان... سأنفخ في الصور وسأفتح باب السعير على مصراعيه (يظهر خلف السايك المئات
من الأشباح بحراب من نار وهم يتقدمون إلى الأمام) ها هو غراب الكون ينشد للموت الأخير على كف نيرون.
كاليكولا: (يمسك بالشاعر) وأنت عجل معي إلى منفاك المعاصر من جديد.
الشاعر: (يضحك بسخرية) أنا مطارد مذ نفخ بي الرب معنى الكلمة، وكنت أتمنى أن أحيا على حواشي فرضية تدعى مجازًا لعبة الحياة (كاليلولا يسحبه وينزل به إلى الصالة، ثم يختفون بين الجمهور).
الحفار: (يحمل معوله ويبدأ بحفر قبر له) والآن أدرك يقينًا بأن على كل واحد منا أن يغتسل بالماء الطهور حتى ينفك من دنيا اغترابه... وها أنذا أغتسل بالتراب طهورًا لأني أدركت أن لكل عصر نيرونه.
(ينزل إلى اللحد الذي حفره) وأن كل واحد فينا الآن صار نيرون (يختفي في اللحد ويبقى المعول شاخصًا للعيان) وبعد حين سيكتمل النصاب فيكم ويصبح العالم كله نيرون (يعم المكان بخار كثيف تصاحبه الموسيقى).
الزوجة: (تتحرك بغنج وتتوسط هذه الأبخرة) تعال، تعال، هَيْتَ لَكَ، حتى نعيد ترتيب أبجديات نسلنا من جديد، ها هي ترائب ظلك تبحث عني، فأمطرني بشهد عشقك حتى لا يفنى أثري.
نيرون: سأفتح سور مدينتي المهانة بصولجاني حتى أغترف من عذوبة شهدك نطفة يتوالد فيها ألف نيرون ونيرونة.
الزوجة: (وهي تلوح له): لتقرع الأجراس من سباتها، تعال كي نقيم طقوسنا أمام الرب وبلا حياء (يتقدم إليها) هيا أيها الغازي، الكل في سبات، أجهز قبل أن تضيع الفرصة.
نيرون: (وهو يحمل الصولجان) ها نحن نعبر سفر العصور حيث تلوح في الأفق سحابة نهاية الكون اصطبغت بلون الدم (يتقدم باتجاه السايك الخلفي ويلوح بصولجانه وكأنه قائد أوركسترا) ها هو الكون يعلن نفير براءته من دنس حل به اسمه الإنسان... هيا لتعزف أجراس الفناء (تعزف موسيقى معزوفة الشيطان، الواقفون وراء السايك هم أوركسترا العازفين، نيرون والزوجة ظهرهم للجمهور حيث تتصاعد الأبخرة والدخان ويغطي كل بيئة العرض).
ظلام.
منير راضي
العراق


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وستزهر ... حتمًا / قصيدة نثرية / هند غزالي / المغرب.

ترجمة أدبية إبداعية إلى اللغة الفرنسية / ترجمة قصيدة (صهيل المسافة) للشاعرة التونسية أمان الله الغربي / المترجم الأديب المغربي الأستاذ نور الدين طاهري