إشكالية هوية النقد الأدبي العربي / الناقد العراقي الدكتور باسم عبد الكريم.
* إشكالية هوية النقد الأدبي العربي *
الناقد العراقي الدكتور باسم عبد الكريم.
لقد حصل انبهار كبير من طرف النُّقاد العرب بالنَّظريات والمذاهب الفلسفية والمدارس التَّحليلية في النَّقد الأوروبي، حتى غابت ملامح نقدنا الأدبي، وتهدد الإمساخ هويته العربية، وهذا يتضح فيما أعرضه أدناه من آراء وأقوال كبار المعنيين بموضوعة النقد:
1/ تقول رائدة الشعر الحر نازك الملائكة: (هذه الدِّراسات الباهرة التي يكتبها النَّاقد الأجنبي هناك... إنها تعمل في نقادنا عمل السّحر، فتبهرهم وتسكرهم وتفقدهم أصالة أذهانهم، وتصيب حواسهم المبدعة بشيء يشبه التَّنويم) / كتابها: "قضايا الشعر المعاصر" / ص: 335 .
وتضيف: (هذا الأنهار، للأسف، لم يكن من أجل العمل والكدِّ لأجل تطوير الحركة النَّقدية العربية، وإنما كانت له مواقف جدُّ سلبية، فإننا لا نغالي ولا نبالغ إذا قلنا إنَّ موقف نقادنا من الفكر الأوروبي يكاد يكون موقف استخذاء، إنَّ بعضهم يعتقد اعتقاداً جازماً أننا أقلّ موهبة من شعراء الغرب، وإنَّ علينا أن نغترف نظرياتهم ونأكلها أكلاً إذا نحن أردنا أن ننشئ شعراً عربيّاً ونقداً) / نفس المرجع، ص: 336.
وفي ظل هذه التَّبعية الثَّقافية راح الناقد العربي يعب من معين الأساتذة النُّقاد الأوروبيين، دون أن يفطن إلى أنَّ النَّقد الأوروبي يتحدر من تاريخ منعزل انعزالاً تاماً عن تاريخنا، وهذا ما أكدته نازك بقولها: (كيف يتاح لنا أن نطبق أسس ذلك النَّقد الأجنبي على شعرنا الذي يتدفق من قلوب غير تلك القلوب، وعصور غير تلك العصور؟... فما يكاد النَّاقد العربي اليافع يقرأ ما كتبه إيليوت، برادلي، مالارميه، فاليري، وغيرهم، حتى يشتهي أن يطبق ما يقولون على الشِّعر العربي مهما كلفه ذلك من تصنّع وتعسّف وجور على شعرنا ولغتنا) / نفس المرجع (بتصرف)، ص: 334 و335.
2/ الَّنقد العربي المعاصر يعاني من عدة منزلقات على مستوى التنظير، وعلى مستوى الاشتغال العملي، هذا ماذهب اليه الأستاذ "بدرة فرخي" في مقاله المعنون بعنوان: "النقد العربي بين حقيقتي الإبداع والاتباع" / مجلة الناص، العدد 07، آذار 2007 / ص: 203...
وحددها بعدة مزالق أهمها (تبني المناهج الغربية)، يقول: (إنَّ هذا التبنِّي للمناهج الغربية هو قمع لوجود النَّص عينه، من منظومته الثَّقافية التي أنتجته)، فهذه المناهج تستند إلى خلفيات ثقافية ومرجعيات فلسفية فكرية غربية، وغريبة عن تلك الخلفيات الثقافية للمنجز الأدبي العربي.
3/ أقرَّ كثيرٌ من النُّقاد العرب المحدثين أن النَّقد العربي اليوم يعاني أزمة تأصيل حقيقية، ومنهم "سيد بحراوي" حيث يذهب إلى قول: (إنَّ النَّقد العربي يعيش حالة أزمة، ومن مظاهر هذه الأزمة غياب تام لدور النَّقد في الحياة الثَّقافية، غياب المنهج الواضح، الشِّيء الذي يترتب عنه عدم تبلور مدارس نقدية عربية تقدم رؤية متكاملة للعمل الأدبي) / الثقافة الجديدة المصرية / عدد: 12 / 1986 / ص: 110.
ويؤكد مرَّة ثانية ما ذهب إليه مركزاً على الأزمة المنهجية قائلاً: (تتفشَّى الأزمة المنهجية التي تتمثل في عدم قدرة نقادنا المحدثين والمعاصرين على تحقيق طموحهم لامتلاك المنهج أو المناهج العلمية المتكاملة والمتناسقة التي تسمح لهم بالتَّعامل مع نصوصنا الأدبية تعاملاً علمياً) / أدب ونقد المصرية، العدد: 116 / 1995.
4/ يذهب بعض النقاد ومنهم "محمد جمال باروت" إلى وجود (صعوبة تمييز لغة واحدة في نقدنا العربي المعاصر، بل يمكن تميِّيز عدّة لغات، لكن مجمل هذه اللغات ما هي إلا تنويع في ثقافة الغزو، إنَّ من الصعب – مثلاً — الحديث عن لغة بنيوية واحدة، بقدر ما يصح الحديث عن لغات بنيوية، فلكل من كمال أبو ديب، وأدونيس، وخالدة سعيد، ومحمد بنيس، ويمنى العيد، وإلياس خوري... لغته البنيوية الخاصة) / ينظر: أحمد كمال زكي، "النقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته" / ص: 23 .
5/ يذهب النَّاقد "إدوارد سعيد" إلى أنَّ العالم العربي منهمك فيما أسماه النَّسخ المباشر، ويعلِّل ذلك بقوله: (يساورني الانطباع بأننا في العالم العربي نقوم بالنَّسخ المباشر، ما إن يقرأ الواحد منا كتاباً من تأليف "فوكو" و"گرامشي" حتى يرغب في التَّحول إلى "گرامشوي" أو "فوكوي"، لا توجد محاولة لتحويل تلك الأفكار إلى شيء ذي صلة بالعالم العربي) / ينظر: محمود ميري، "أسئلة النقد الأدبي العربي الحديث: أزمة ثقافة أم أزمة منهج؟"، مجلة علامات، ص: 119.
6/ يصف "لطفي اليوسفي" الخطاب النَّقدي العربي المعاصر بأنه (خطاب محنة، يحركه وعي "شقي"، فهو مرتهن من جهة بالرؤية التَّقليدية التي ترى الحديث النقدي "فعل تميِّيز لجيد الأدب من رديئه"، ومنوط من جهة ثانية بأوهام الحداثة وادعاءاتها، حيث الهرب إلى الثَّقافة الغربية لاستلاف ما ابتدعته من مفاهيم، واقتطاعها من منابتها لإنزالها قهراً في أدبنا) / المرجع السابق، ص: 116.
7/ الناقد الجزائري "عبد الملك مرتاض" انتقد بقسوة النُّقاد العرب، معيباً عليهم طريقة تعليمهم للنقد الحديث، قائلاً في السِّياق نفسه بأن جميعهم يلوكون بألسنتهم المصطلحات الغربية، بل ذهب إلى الأكثر من ذلك — في مؤتمر ذي صلة بموضوعة النقد العربي المعاصر، عُقد في المغرب يوم 25 يناير 2004 — حين رفض بشدة القول بوجود نظرية نقدية عربية، وقال: (لا توجد نظرية نقدية عربية، نحن جميعاً من طنجة إلى البحرين عالة على النظرية النقدية الغربية المعاصرة) / ينظر: الأستاذ بدرة فرخي، المرجع السابق، ص: 204.
هذا غيض من فيض الشواهد والأقوال لكبار النقاد والمعنيين بالشأن النقدي العربي التي تشير بوضوح إلى إشكالية "الهوية" التي لمّا يزال يفتقد إليها النقد الأدبي العربي.
باسم الفضلي العراقي.
العراق.
تعليقات
إرسال تعليق