يوميات هناء في نيويورك / اليومية رقم 1 / الأديبة اللبنانية الأستاذة هناء غمراوي.
مع الأديبة اللبنانية الأستاذة هناء غمراوي.
يوميات ترصد معالم المكان وأنماط العيش ببعد وجداني
——————————————————
* اليومية رقم: 1.
{ نيويورك مدينة للجميع }
[ هنا في هذه المدينة التي تفتح قلبها وذراعيها لكل قادم، ومن أي بقعة من بقاع الأرض...
هنا فقط صادفت الأبيض والأسود، الهنديّ والصينيّ، الأفريقيّ والأوروبيّ يعيشون جنباً إلى جنب، دون أي تصادم عرقيّ، دينيّ، أو مذهبيّ، فهم يجتمعون تحت مظلة قانون واحد يفرض عليهم ذات الواجبات، ويقدّم لهم نفس الحقوق، دون أي محاباة أو تمييز.
هنا أيضاً رأيت النساء البنغلادشيّات، والأثيوبيّات يمشين في الشارع بكل ثقة وهنّ ذاهبات إلى العمل دون أن يتبادر إلى ذهن أحد أنهنّ خادمات منازل، شأن الصورة النمطيّة التي نحفظها لهن في ذاكرتنا في غالبيّة بلدان الشرق... هنّ يعملن في المطاعم، والمقاهي، والشركات متعددة الاختصاصات، ويفتحن صالونات التجميل دون أن يواجهن أي عائق.
هنا أيضاً يترأس الطبيب الهندي، أو العراقيّ، أو السودانيّ أو اليونانيّ قِسْمَ الجراحة في أهم مستشفيات المدينة، نظراً لكفاءته العلميّة وخبرته العمليّة، بغض النظر عن لونه ومعتقده وأصله.
هنا رأيت مجموعة من الرجال يقفلون محالهم التجاريّة، ويهرعون إلى المسجد ظهر يوم الجمعة لأداء الصلاة جماعة، دون أن يعترض طريقهم أحد.
هنا عرفت أن الحضارة ليست ثوباً أنيقاً نرتديه، أو محفظة جلديّة غالية الثمن نفاخر باقتنائها.
وهنا أيضاً اكتشفت أن قواعد السلوك والإتيكيت التي يعمد إلى اتباعها فئة معينة من الناس، معتقدين بذلك أنهم صنف مميّز من البشر، ليست مقياساً للرقي ولا عنواناً للتحضّر.
نعم، هنا في نيويورك رأيت الحضارة تمشي على قدمٍ وساق... لمحتها في عيون الفنانين الذين يفترشون أرض مانهاتن، يرسمون المارة مقابل مبالغ زهيدة من المال لا تسمن ولا تغني.
رأيتها في أصابع العازفين الذين يفترشون محطّات القطار يعزفون للمارة أجمل الألحان العالميّة دون أي مقابل.
لمحتها أيضاً في عيون عامّة الناس الذين توافدوا إلى هذه المدينة من كل حدب وصوب، تجمعهم طبيعتهم البشريّة، وولاءهم لهذا البلد.
نعم لمحتها في نظراتهم التي تعبر عن احترامهم لثقافة التعايش التي تظهر في تقبلهم للآخر، واحترام اختلافه، مهما بلغ هذا الاختلاف وكأنّي بهم يطبّقون تعاليم الدّين الحنيف «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» صدق الله العظيم.
نعم، الحضارة ليست أبنية شاهقة، ولا أجهزة إلكترونيّة معقدّة، وهي ليست وسائل نقل مميّزة، ولا وسائط اتصالات حديثة فقط، بل هي مدنيّة تضم كل هذه المظاهر مجتمعة، في ظلّ تقارب بشريّ يفسح في المجال للفرد لكي يعبّر عن ذاته دون المساس بحريّة الآخر، وبالمبادئ الإنسانية ].
هناء غمراوي.
نيويورك.
Hana Ghamrawi
تعليقات
إرسال تعليق