حوارات الرؤى الثقافية / حوار أ. امحمد أحمد الطالبي مع الأديبة الأستاذة عسال مالكة.


[حوار ثقافي مع الأديبة الأستاذة مالكة عسال ]
الحوار من إعداد: امحمد أحمد الطالبي.

إلى من كانت ولا تزال السبب في زرع ثمرة العلم في قلوبنا، أستاذة  أخرجتنا من ضيق الظلام إلى أوسع طُرق العلم، فلك كل الفضل والتقدير.

* أستاذتي الفاضلة، أود أن أعبر عن مدى تقديري لكل كلمة وحكمة قد غرستها في عقول أجيال وأجيال، وشكراً على هذا الحوار الثقافي المائز. 
 
* أخي الفاضل امحمد أحمد الطالبي، لك تحية طيبة محفوفة بآيات التقدير والاحترام، من أختك مالكة عسال، مثمنة جهودك الكبيرة واهتمامك بعنصر دخل غمار الأدب من حيث لا يحتسب، فخصصتَ له وقتك الثمين للتعريف به وبأدبه، وتسليط الضوء عليهما، وإن دل هذا،  فلن يدل إلا على علو  كعب أخلاقك، وصفاء روحك، وحب الخير لغيرك... 
 
* الأستاذة مالكة عسال، من مواليد 13/6/54  بمدينة  ابن أحمد / إقليم  سطات.
تلقت تعليمها الابتدائي والإعدادي بمسقط رأسها، والتعليم الثانوي بمدينة الدار البيضاء. 

= الحياة المهنية:
ــ حاصلة على شهادة الباكلوريا 1977/78. 
ـــ مارست التكوين طالبة أستاذة في التدريس لمادة الاجتماعيات  بالمركز التربوي درب غلف البيضاء سنة  1978/79. 
 ــ اشتغلت أستاذة التربية والتعليم / بالتعليم الابتدائي مدة خمس وثلاثين "35" سنة. 
ــ اشتغلت مؤطرة تربوية للتعليم الابتدائي الخصوصي مدة أربع  سنوات. 
ـــ لها شهادات تنويه وتقدير وجوائز منها:
1/ جائزة  أغنية  الطفل / يونيو 2002 /  من نيابة  وزارة التربية الوطنية والتعليم
2/ جائزة مسرح  الطفل / يونيو 2005 / من نفس  النيابة السابقة. 
3/ جائزة لقاء   شعري / 25 مارس 2004 / من قبل جمعية موفاق عين السبع.

= الحياة الأدبية:
— قاصة وشاعرة، لها مساهمات في الترجمة من اللغة الألمانية إلى العربية، وفي الرسم   الكاريكاتوري، وأنشودة الطفل، والمسرح المدرسي. 
— كاتبة عامة لبيت   الأدب المغربي. 
— نائبة رئيس جمعية ورديغة  بخريبكة. 
— نائبة رئيس الجمعية المغربية  للغويين والمبدعين. 
— نائبة رئيس جمعية منتدى الثقافة والإبداع. 
— نائبة رئيس جمعية الياسمين بالدروة سابقاً. 
— عضوة بجمعية أمل السعادة / الدورة. 
— عضوة بالعديد  من المنتديات والمواقع والمجلات والصحف الإلكترونية. 
— أول قصيدة لها  كانت بعنوان "فلسطين" / في 27/10/2003. 
— ثاني قصيدة لها  كانت بعنوان "جراح" / في 30/10/2003. 

= الإنجاز الأدبي  
من إنتاجها:
* أولاً: الإصدارات الورقية: 
1/ دمعة / ديوان  شعر/ مارس 2005 / دار القرويين / الدار البيضاء.
2/ فراديس منفلتة / مجموعة قصصية / شتنبر 2005 / مطبعة سعد الوارزازي / الرباط. 
3/ وشم الأمس على الأضرحة / شعر / فبراير 2007 / دار النشر تلال. 
4/ لطيف المقال في الأدب والترحال / دار القرويين 2017. 
5/ مدن تحت المجهر / دار المعتز للنشر والتوزيع / الأردن / عمان 2018. 
6/ الكتابة النسائية المغربية بين التحدي والتردي/ دار القرويين / مارس 2020. 
7/ الترميز في الشعر العربي الحداثي / دار القرويين / مارس 2020. 
8/ الشعر الحداثي وإشكالية التنظير / دار القرويين / ماي 2020. 

* ثانياً: الإصدارات  الجاهزة للطباعة:
1/ كتاب نقدي قيد الطباعة بعنوان "الصورة الشعرية في الشعر العربي: الشعر المغربي نموذج". 
2/ ثلاثة دواوين شعرية. 
3/ مجموعة قصصية. 

= الاهتمام النقدي بالمنجز الأدبي  لمالكة عسال:  
— ترجمت بعض أعمال مالكة عسال  إلى اللغة الفرنسية، والإنجليزية، والإيطالية، والبرتغالية، والإسبانية، الألمانية. 
— أقيمت دراسات حول بعض أعمالها من قبل:
- القاص المغربي  محمد القطيب  التناني. 
- الشاعر المغربي  سامي دقاقي. 
- الشاعر المغربي  مصطفى الفرات. 
- الشاعر والناقد  التونسي فوزي  الديماسي. 
- الناقد المغربي رشيد قدوري. 
- الناقد العراقي  وجدان عبد العزيز. 
- الشاعر والناقد المغربي عمر علوي ناسنا.  
- دراسة نقدية من قبل الطالبة بشرى غدارف. 
- الناقد المغربي حسن أمكازن بن موسى. 
- الناقد الفلسطيني  سهيل العيساوي. 
- التربوي الدكتور  محمد  الدرج. 
- الناقد المغربي والباحث في السيميائيات الأستاذ عبد المجيد عابد. 
13ــ الناقد والباحث في السيميائيات 
- الدكتور عبد الحق السالك.
- القارئ المتميز السيد إدريس بن الصديق رحال. 
- الناقد الأردني الدكتور عواد أبو زينة. 

= الاهتمام الإعلامي: 
— نشرت بعض أعمال مالكة عسال في الصحف والمجلات الوطنية والعربية، وأقيمت معها عدة حوارات عبر وسائل الإعلام نذكر منها:
ــ إذاعة وجدة  ضمن برنامج "حدائق الشعر" مع المرحوم الدكتور  محمد بن عمارة. 
ــ إذاعة طنجة  ضمن برنامج "أصوات شعرية" مع الشاعر حسن مرصو. 
ـــ إذاعة عين الشق  ضمن  برنامج "فضاء وإبداع" مع  المذيع أحمد علوة. 
ــ إذاعة عين الشق  ضمن برنامج "من وحي الصيف" مع  الأخ محمد با عمران. 
ــ إذاعة أف - أم ضمن برنامج "سكن الليل" مع  الصحفي   محمد البقال. 
ــ إذاعة الرباط  ضمن برنامج "منتدى الشباب" مع  المذيع سمير الريسوني. 
ــ  إذاعة الرباط  ضمن برنامج "في سكون الليل" مع المرحومة حياة  بلعولة. 
ــ إذاعة فاس ضمن  برنامج "بقعة ضوء" مع الصحفي نجيب  طلال.  
ــ إذاعة  كازا ــ أف إم مع المذيع ماء العينين. 
ـ إذاعة عين الشق  مع المذيعة فاطمة العمري. 
- ولها لقاءات تلفزية وطنية وعربية. 

= التتويج والتكريم:
تم تتويج مالكة عسال في عدة محافل أدبية افتراضياً وعلى الواقع:
* التكريم على الواقع:
ـــ تكريم بمدينة  المحمدية من طرف  جمعية "شراع " بمشاركة جماعة  المنصورية / غشت  2006. 
ـــ تكريم من طرف  إذاعة ( أف - إم ) مع المذيع البقالي  محمد / مارس  2006. 
ـــ تكريم من طرف  الجمعية الدولية  للمترجمين واللغويين والمبدعين العرب  برسم سنة 2008. 
ـــ تكريم بمدينة  ابن أحمد / ماي  2008. 
— تكريم بمدينة  أكادير في مهرجانها  الأول للقصة والشعر بتاريخ   18/04/2009. 
— تكريم من  المجلس العلمي بأنفا  مرس السلطان / الدار البيضاء /2012. 
ــ تكريم من قبل  الجمعية المغربية  تيمغارين، والجمعية المغربية للغويين  والمبدعين يوم 18/  يناير  2014 / بالدار البيضاء. 
ــ تكريم من مؤسسة البيت الثاني نيابة  عين الشق / بوسكورة / الدار البيضاء / مارس  2014. 
ــ تكريم بمدينة  إفران بتاريخ 29 مارس 2014. 
ــ تكريم بمدرسة  الفارابي 2014. 
ــ تكريم بثانوية  مولاي عبد الرحمان 2014. 
ــ تكريم بمدرسة  الوحدة / يونيو  2014. 
ــ تكريم من قبل جمعية حد السؤال / 21/02/2015. 
ــ تكريم وتوقيع بمقاطعة عين السبع / 16 يونيو 2017. 
ــ تكريم من قبل جمعية كولداون للرياضة والثقافة، وجمعية تيكيضا للرياضة والثقافة / بتاريخ 27 أكتوبر 2019. 
ــ تكريم بالمؤسسات التعليمية بالحي المحمدي بتاريخ  2020. 
ـــ تكريم بمدينة خريبكة / 2021. 
ــ حاصلة على شهادة الدكتوراه الفخرية بمدينة قلعة السراغنة بتاريخ 30  ماي 2015،  من قبل "جمعية الرصد  العربية"، و"اتحاد كتاب الشعراء الأحرار"،  و"مجلة  اللسان الحر" برئاسة  الدكتور أزلماط. 
ـــ  حاصلة على ما يقرب من مائتين وثلاثين "230" شهادة مشاركة  وتقدير، وأوسمة ودروع. 
* التكريمات الافتراضية: 
ــ تكريم من منتدى  إنانا 2006. 
ــ وسام العطاء من "موقع قناديل الفكر  والأدب " برسم  سنة 2014. 
ــ وسام العطاء من رابطة الأدباء العرب الفيسبوكية برسم سنة 2014. 
ــ شهادة تقدير من  موقع "الثقافي  الثقافي" الفيسبوكي 2014.

[ مالكة عسال؛ 
ـــ رقم الهاتف 0676460590
ـــ الإيميل malikalassal@gmail.com 
ـــ صفحة الفايسبوك عسال مالكة ] 

= الحوار. 

س1/ كيف تعرفين نفسك للقراء؟ 
ج 1/ تمنيت لو تحدد السؤال، هل التعريف بشخص مالكة عسال، أم بأدبها؟
إن كان القصد التعريف بشخص مالكة عسال، فهي  امرأة ككل النساء، نشأت وترعرعت  في مدينة ابن احمد / مزاب، ثم تابعتْ دراستها الإعدادية والثانوية  بثانوية شوقي بالدار البيضاء، بعدها اشتغلت مُدرّسة بالتعليم الابتدائي، فكان الزواج، ثم إنجاب ابنيْن، والاهتمام بتربيتهما، أخيراً ختمتْ المسيرة التعليمية بالحصول على التقاعد، وبين هذا وذاك، مرّتْ مالكة عسال بعدة أحداث متشابكة منها المحزنة، والمؤلمة، والمفرحة، ومنها ما هو شخصي، وما مجتمعي، وما هو سياسي... لن تثقل بها كاهل القراء.
أما إن كنت تعني التعريف بمنجزها الأدبي، فهذا مجال للقراء والمتابعين والنقاد، والذي تناوله البعض منهم بصيغ مختلفة، منها العاشقة والأكاديمية، والعميقة والنموذجية.   

س 2/ كيف كانت البدايات، ولماذا الكتابة؟
ج 2/ كل فنان أو مبدع أو مثقف له بدايات، قد تكون خجولة وبسيطة للغاية، أي مجرد حبْوِ على حصير الإبداع، لكن بمسايرة الصرح الثقافي بالجد والمثابرة والاطلاع على الخبرات تكبُر البدايات، وتتحول إلى احترافية، فتحتل حيزاً محترماَ ومقبولاً لدى المتابعين والقراءة. 
ومالكة عسال، ككل مبدع، كانت بدايتها عبارة عن انطلاقة محتشمة، وهي في سن الخمسين من عمرها، وبالضبط في فصل الربيع، حين أفاقت ذات صباح في البادية، وأخذت تُمعِن النظر في الأزهار، التي كانت تزين بتلاتِها قطيراتُ ندى، تبرق وتلتمع بالألوان مع انعكاس أشعة الشمس، فكان السحر وكان الجمال، فتدفق شطران بشكل عفوي ودون إذن منها فغردت تقول:
{ يا قطرة الندى على الورد
يا دمعة الأسى على الخد } 
لكن الذي فجّر القريحة بشكل ساخن حدّ البكاء، لما رأت مالكة عسال معرضاً من الصور المؤلمة لمذبحة صبرا وشاتيلا تتضمن أشلاءَ صبايا ونساء وشيوخ، حيث كان التوثيق فظيعاً وموجعاً، زد على ذلك تزامُن المعرض مع هجمة أمريكا الشرسة على العراق سنة  2003، واغتصاب وطنه  بطريقة وحشية بما تعنيه أساليب التنكيل والقتل والتشريد، وهدم البيوت على سكانها... فكانت أولى القصائد بتاريخ 27/أكتوبر 2003، تحت عنوان "فلسطين" والتي مطلعها:
{ فلسطين يا أم الربى والزيتون } على إيقاع كلاسيكي، وبعدها بثلاثة أيام، وبالضبط في 30 أكتوبر 2003 أوحي إلى مالكة عسال  بقصيدة نثرية أخرى تحت عنوان "جراح" حيث لقيت هذه الأخيرة ترحيباً في جريدة بيان اليوم.
ومن تَمّ كانت الانطلاقة بدعم ومساعدة من قبل بعض الأساتذة الأجلاء، والصحفيين المذيعين الذين مدوا يد المساعدة بسخاء لمالكة عسال ونوروا طريقها. 
والكتابة لدى مالكة عسال لها أهداف شتى، ممكن اختزالها في ثلاثة أساسية: 
أولها تنفيس عما يختمر في الدواخل، بالبوح والتعبير. 
ثانيها الكتابة نيابة ومرافعة عمن لا لسان له دفاعاً عن حقوقه، وكرامته، ومشاركته همومه أحزانه. 
ثالثها الكتابة رسالة على عاتق كل كاتب،  لتمرير قيم نبيلة آلت نحو المغيب، كقيم حب الغير، والاحترام والتسامح والمواطنة والشفقة والرحمة... 

س 3/ ما حال الشعر اليوم، وماذا عن القصيدة النثرية ولنقل الحداثة الشعرية؟
ج 3/ أي جنس أدبي، أو عمل فني يتطور وفق السيرورة التاريخية، تارة يعلو، وأخرى يخبو حسب الظروف، تُشذّب منه الزوائد، تضاف إليه أشياء جديدة، وتحذف منه أخرى... والشعر هو الآخر لن يسلم بالطبع من هذه الخاصيات، لقد مرَّ بمراحل عديدة حسب متطلبات كل عصر، إن على مستوى الشكل أو المضمون، فالشعر سابقاً كان مقروناً بالوزن والقافية على إيقاع البحور وما تتضمنه من موسيقى خارجية، يعتمد أغلبُه المباشرةَ والوصف ببلاغة لغوية عميقة، لها معنى واحد هو نفسه يفهمه الجميع وينتهي، ثم نحا في ما بعد إلى التفعيلة بما يسمى بالشعر الحر على يد نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، حيث أحدث تغييراً حاسماً في مسيرة الشعر العربي، وانعطف به نحو الحداثة بكل ما تستدعيه أنماط التعبير الإبداعية والفكرية، إلى أن استقام على قصيدة النثر مؤخراً مع مجموعة من الرواد، فطرح أساليبَه العتيقة ليتألق بحلة جديدة تعتمد الصور الشعرية الملغزة بالترميز والمجاز والإيحاء، باستعارات تستدعي أكثر من قراءة من زوايا مختلفة للقراءة، غير أن بعض النقاد اتهموه بالنسخ عن الشعر الغربي عبر التقليد، وهذا الاتهام جعل القصيدة النثرية تتدحرج ما بين الرفض والقبول، من قبل مناصرين أو رافضين، بموجبهم تعرضت لانتقادات مختلفة واسعة، منها البناءة، ومنها الهدامة حسب الأذواق، لكن  القصيدة النثرية فرضت نفسها بجرأة، وتخلت عن القرائن التقليدية باعتبارها عقبات شاهقة منتصبة، تتعثر في أذيالها حريةُ الشاعر في التعبير عما يختلج في النفس، فتربعت على عرش الحداثة بامتياز، وعلى الرغم مما سبق، فمازال سلطان الشعر الكلاسيكي يهيمن بقوة على عشاقه، فيدخلون مغامراته بتحد كبير، ولبوس متعدد، حيث غدت القصيدة الشعرية اليوم ترقص على الحبلين معاً، حبل الشعر الموزون على غرار النمط التقليدي باعتباره الأصل، مطعم أحياناً بما هو حداثي، من صور شعرية وما تتضمنه من مجاز، وحبل الشعر الحداثي متنصلاً تماماً من كل القرائن التقليدية، مع ربطه بخيط رفيع كامتداد للقصيدة العمودية، حتى لا يصبح غريباً.  

س 4/ الأدب في العالم العربي إلى أين؟
ج 4/ الأدب يتولد انطلاقاً من الظروف المعيشة، إن لم نقل يتمثل واقعها بكل وقائعه وحيثياته من قضايا إنسانية وهموم يومية، المرآة التي تنضح على صفيحتها الأوضاع، وكل أديب ابن عصره ومحيطه، مع ما يكسبه من حمولة ثقافية، وخبرات الاطلاع على تجارب الآخرين، والأدب إن لم يتوغل في عُلَب الأشياء بصدق، ويخلخل جوهرها، في رأيي لا يُعتبَر البتة أدبياً، ونظراً للتطورات الحاصلة في العالم اليوم، واختلال موازينه بفعل ما أتت به العولمة، وتغيير الأوضاع، أضف إلى ذلك بعض العوامل المساعدة على النشر كمواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، كل هذه العناصر ساهمت في التفجير الأدبي على اختلاف أجناسه، بمواضيع متنوعة، تصب أغلبيتها في ما هو ذاتي ووطني وهموم يومية، وقضايا إنسانية، لكن بالسير جنب الحائط، وليس بجرأة وعزيمة كما كان الشأن لدى البعض في العصور السابقة،وحين يتسلل الأدب بين هذا وذاك راكباً صهوة المغامرة، قافزاً على قنوات التحدي ليضيء بفكره المتنور العتمة وكل السراديب الغامقة، من أجل التغيير وتصويب الأعطاب التي هي في العمق فاضحة، وكاشفة لكل العراقيل المنتصبة في وجه الحضارة والتطور، يصطدم صاحبه بجهاز قمعي تعسفي قوي، ما يضع  الأديب في خانة صراع محتد بين أفكار نبعت من حلم وأمل، كحافزي أساسيين إلى التغيير والتطور، يؤمن بها ويريد ولادتها ولو بطرق قيصرية، وآليات قمعية ضاغطة تكرس الضلال والتخلف ممن بأيديهم مراكز القرار، والذين يديرون مروحتها وفق أغراضهم الشخصية على حساب الغلبة، لبناء مصلحتهم الخاصة ضاربين عرض الحائط بالمصلحة العامة، فيُضيّقون الخناق على الأديب، ولا يفسحون له مجال حرية التعبير، مخافة رفع الغطاء عن فضائح الفساد، لذا نجد اليوم أن أغلب الأدباء يتحاشون الغوص  بعمق في مجريات الأمور كما هو مطلوب، حتى لا يسقطوا في مستنقع اعتقال، أو تلفيق تهمة، أو تصفية... 
أما عن الرداءة أو الجودة، فالأمر يستلزم النقاد أن يتابعوا المنجز الأدبي، ويتولوه بالرعاية والتصويب، وعلى الأدباء أن يتقبلوا النقد البناء، لأنه لن يدنيَ من قيمة منجزهم، بقدر ما يفتح أمامهم طرق الارتقاء والسير به نحو القمة.

- نموذج الكتابة المغاربية؟
- الدول المغاربية لها نفس الموقع الجغرافي، وتعيش تقريباً نفس الظروف بتحولاتها التاریخیة والحضاریة والسياسية، وما شملته من أحداث استعمارية وتيارات إديولوجية، وبما أن الفكر وليد بيئته كما يعلم الجميع، فهو بطريقة أو أخرى انعكاس للأحداث والوقائع حيث بزغ رواد كتبوا باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية، وفي جميع المجالات، وبمختلف الأجناس، قصة / شعر / رواية / مقالة، فشجبوا بحرارة الاستبداد، وما ألحقه الاستعمار بالأوطان من سلب خيرات، وقتل معارضين ومناضلين، وعبروا بجرأة عن ذودهم عن اللغة العربية والإسلام كهوية للعرب، ملحين على تقرير مصير الشعوب، مصممين على إنتاج أدب مغاربي قح ابن بيئته، بعيد عن التبعية والنقل، ومن بين المبدعين الذين وشحوا صدر الإبداع بالذهب، نذكر من المغاربة المبدع عبد الكريم غلاب وروايته "دفنا الماضي"، والطاهر بن جلون "تلك العتمة الباهرة"، والشاعر عبد اللطيف اللعبي روايته "العين والليل"، ومحمد عزيز الحبابي وكتابه "من الكائن إلى الشخص". ولا ننسى المتألقين أصحاب الفكر المتنور من أمثال الدكتور المهدي المنجرة، والجواهر  ومحمد عابد الجابري... 
ومن أدباء تونس نذكر حبيب السالمي وروايته" نساء البساتين"، والباحث التونسي محمد عزيزة ومنجزه الشعري" صمت الإشارات"، ووليد سليمان ومنجزه الأدبي" كوابيس مرحة"، ومن منا يستطيع نسيان أبا القاسم الشابي صاحب القصيدة الشهيرة "إرادة الحياة".
ومن الجزائر نذكر الروائي واسيني الأعرج روايته "سيدة المقام"، ومحمد دیب وروايته "من يذكر البحر"، وأحلام مستغانمي روايتها "عابر السرير"... فالظروف الملحة جعلت الأدب المغاربي يصب في مجمله على الطبقات المسحوقة واهتماماتها، مشخصاً الهموم الإنسانية، وأوضاع المهمشين، وضحايا الفقر وما يقاسونه من قهر وضياع، والتنكيل الاستعماري بالمناضلين والشرفاء الأحرار الذين يقاومون من أجل انتزاع حقوقهم وتحقيق العيش الكريم، حيث سيلعب الأدب دوره المأمول لنصرة الشعوب المضطهدة، وإعادة الحق للمظلومين والجياع.        

س 5/ ماذا عن أدب الأطفال؟
ج 5/ هل أدب الأطفال العالمي، أم العربي، أم المغربي؟ 
على كل سأتحدث بصفة عامة، أدب الطفل هو كل إبداع فني أو أدبي يخصصه الأدباء  للطفل وِفْقَ مستواه العقلي والحسي/ الوجداني، لتمرير القيم النبيلة الحب  والتسامح  والمواطنة، واحترام الآخر، ومن جهة أخرى لتربيته تربية صالحة، بما يقدمون له من نماذج ضمنية في قوالب قصصية أو شعرية أو فنية، ليكون مواطناً متوازناً سلوكاً وفكراِ ووجداناً صالحا لنفسه ووطنه، ويُراعى في أدب الطفل بساطة اللغة، والأسلوب التشويقي مع الصور بالألوان، كي يجلب المنجزُ اهتمام الطفل  ويلبيَ ميوله ويدغدغَ غريزته، ويحقق تطلعاته...
سابقاً، كان الطفل يُعامل كالبالغ في ما يُقدَّم له من مواد ثقافية وفنية دون الاهتمام بمستوى قدراته، لكن علم النفس التربوي، وعلم نفس الطفل، حدد قدرات الطفل، ورأوا من الواجب تخصيص أدب  يناسب عمره ومستواه العقلي والنفسي، سواء في مقررات المدارس حسب الفئات العمرية، أو أنشطة ثقافية موازية، فبدأ أدب الطفل ينتشر في أوروبا بعدما مرّ بحكايات شعبية، وتقاطرت كتب في مختلف الأجناس والفنون تصب في اهتمام الطفل، في كل من ألمانيا وإيطاليا والنرويج وغيرها، وهي إما سلسلة خيالية، أو مجموعات قصصية، أو روايات واقعية، بغرض توسيع مدارك الطفل وخياله، ومن بين الكتب "الظلام قد حل" للكاتبة سوزان كوب، عبارة عن ملحمة خيالية. وبالموازاة مرّ أدب الطفل العربي والمغربي من نفس المراحل، بدءاً بالحكايات الشعبية التي كانت تسردها الجدات من قصص مشوقة، ومغامرات، وأحداث متنوعة جميلة، كان الأطفال يعلقون بشآبيبها، غير أنه مازال محتشماً ولم يصل بعد للأوج المطلوب، لأن الأمر ليس هيّناً، فقد تعتري المؤلف عدةُ شروط ليقدم أدباً في  مستوى تطلع الطفل، من حيث القدرة على الدهشة، وإثارة السؤال، وبعث الشك، والتحفيز إلى الإصغاء، ورغم كل هذه الصعوبات، فقد ظهرت في الأفق عدة مجلات عربية ومغربية مخصصة للطفل، ولو لم تحقق بعد الأمل المنشود، مثل مجلة "أسامة"  ومجلة "الأشبال"، و"ماجد". والمجلة المغربية "الحقيبة المفقودة"... لكن بالإضافة إلى ذلك، فمالكة عسال تقترح  على الأدباء. 
والمهتمين بأدب الطفل، أن يعملوا بشكل تطوعي، على تخصيص ورشات أدبية في المؤسسات التعليمية، أو دور الشباب، ويدفعوا بالطفل إلى الإبداع  بالتعبير / بالبوح /بالكتابة، مع المسايرة بالتصحيح والتصويب، لخلق أدب الطفل من إنجاز الطفل نفسه.. 

س 6/ ماذا تقول الأستاذة مالكة عسال عن "نحن والثقافة الرقمية"؟
ج 6/ الأدب الرقمي ظاهرة حداثية ملحة لا استغناء عنها، أتى بها العصر بعد مرور الأدب  بالشفوي عن طريق الحفظ، ثم بالنقش على الحجر والجلد، أو على اللوح الخشبي، فالأدب الورقي بعد اكتشاف آلة الكتابة، والأدب الرقمي حقيقة أدبية وليدة التكنولوجيا أو العصر الرقمي إن صح التعبير، أي قفزة نوعية بأساليب حديثة في عهد جديد، تجاوز الورقي المتعب والمكلف بالبحث عن المطبعة والتصحيح، والانتظار، لذا على الإنسان أن يتلاءم مع التغيير الحاصل في عصرنا اليوم، كما كان الشأن في كل عصر وطريقته في الكتابة والتعبير؛ والعصر الرقمي كما يُلاحَظ بالملموس جاء محملاً بزاد متنوع من حيث أدواته الجديدة، وتقنياته العالية، وموسوعاته الزاخرة بالعلم والمعارف والمعلومات على اختلاف أشكالها، فرضت نفسها على أنقاض المألوف والمتداول، لتُحدِث ثورة معلوماتية بحلة جديدة، سهلت المأمورية على المتلقي من حيث التثقيف وتبادل الخبرات والاطلاع، والشرح وتوضيح المعقد بشكل سريع؛ وبسطت للكاتب سُبُل نشر منجزاته بشكل مدهش من حيث التحكم في حجم الخط، ولونه، وتصحيح الأخطاء، والاستعانة بالمعاجم  لانتقاء المفردات، ناهيك عن تعدد المواضيع بلمسة زر تقول لك كن فيكون، مُشْرعاً فضاءه  الفسيح أمام  جميع شرائح المجتمع، مكسراً الحواجز بين ربوع العالم... شاشة صغيرة لا تتجاوز سنتيمترات تحتل أصغر ركن في البيت تختزل الكرة الأرضية برمتها  بأحداثها، بقضاياها، بإشكالياتها، فما على الإنسان إذاً، إلا التأقلم مع الحدث الرقمي، واختيار ما يَبني فكره، ويهذب سلوكه، ويوسع أفقه الثقافي. 

س 7/ نوعية المواضيع التي تشتغلين عليها في كتاباتك الشعرية؟
ج 7/ لقد تغيرت موازين العالم، عالمياً وعربياً ومغربياً، هناك دول قوية تريد الهيمنة على الكرة الأرضية سياسياً واقتصادياً، فتهيئ خطاطات وسياسيات لتظل  القطب، وهناك صناع القرار في كل دولة ينتهجون  سياسات مغرضة، هدفها تنمية المصالح الشخصية على حساب المصالح العامة، فانتشر الفساد بكل أشكاله من مكر وخداع، واختلاس المال العام، والسطو على أملاك الغير، واغتيال القيم النبيلة، فغابت الرحمة الشفقة أصبح الكل معها لا يرى ويسمع إلا القتل والاغتصاب، ورمي الآباء في دور العجزة، أو إهمالهم، وغيرها من الظواهر الإنسانية المشينة، التي مدت مالكة عسال بمادة دسمة للإبداع، لتختار منها ما تشاء وتشتهي في الشعر والقصة ومسرح الطفل، فوضعتُ إصبعها على المرأة، وما تتعرض له من عنف وتحرش وتقصير ودونية، كما طَرقتْ باب المسن، وما يلحقه من إهمال، سواء من قبل أسرته، أومن المسؤولين، وكأن هذا المسن لم يساهم في بناء وطنه اقتصاديا، وتقديم خدمات لمجتمعه لما كان شاباً... وعرجت على عالم الطفل، وما يتعرض له من اغتصاب حقوقه المشروعة، من صحة وتعليم وتربية بدينة، وأنشطة تثقيفية موازية... أي باختصار شديد اكترثت مالكة عسال بالهموم الإنسانية لجميع أطياف المجتمع، مع التوغل في الإنسان القضية ضحية الحروب، كما الشأن مع العراق وفلسطين وسوريا وما جاورها... كتابات تصب في الهم الإنساني المحزن والمؤلم على اختلافه.
 
س 8/ السؤال الذي لم يطرح بعد. 
ج 8/ هناك الكثير من الأسئلة، لكن لا يمكن طرحها جميعها، منها ما يصب في النقد الأدبي، ومنها ما يصب في مشروع مالكة عسال المنتظر، ومنها دعم المثقف لتحقيق تطلعاته، من حيث النشر والطباعة والتوزيع التي تثقل كاهله، وغيرها من الأسئلة المرقة. 
حتى تختم مالكة عسال هذا الحوار الرائع، فهي من هذا المنبر ترفع القبعة بألف تحية زكية، لك أخي امحمد أحمد الطالبي، وتشد على يديك في اختيارك لهذه المواضيع التي تنفض الغبار عمن يشتغلون تحت الظل.












تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة في رواية "عِقد المانوليا" للكاتبة المغربية نعيمة السي أعراب بقلم الناقد عز الدين الماعزي

العاشق الأسود / قصة قصيرة / نعيمة السي أعراب.

أطياف المرايا / قصة قصيرة / الأديب المغربي الأستاذ رشيد مليح.