بيروت تحترق / قصة قصيرة / عبد الرحيم العابد / المغرب.


 

{ بيروت تحترق }
قصة قصيرة

حدثتني شهرزاد أن بعلبك حكت لها: نصب البدو خيامهم لاستقبال التعازي بعد أن شاع خبر احتراق بيروت وهينائمة تغازل أحلامها. كانت تحلم بقطعة خبز تسد بها رمق الجوع في صباح اليوم المقبل.
لقد تذكرت مأساة صبرا وشاتيلا وهي تستيقظ على ذوي انفجار هيروشيما.
بيروت المرفأ، كانت كل السفن واقفة تغازل وجه القمر الذي انعكس على ماء البحر في منظر جميل... لكن جمالية المنظر تحولت إلى رماد، إلى دمار امتد إلى كل شوارع المدينة مخلفاً وراءه أبشع المناظر... جثت هنا وهناك، وأشلاء وأعضاء 
بشرية... صراخ وصراخ... جرحى... الكل هارب نحو  منفذ مجهول... الكل يبحث عن نفسه وسط حطام رهيب... الكل يتساءل ما الذي وقع؟
لا أحد يمتلك الجواب سوى الرعب. 
قال أحدهم: لا يمكنني أن أصدق هذا... قالها بدهشة كالدجاج وتابع سيره كأنه يبحث عن شيء فقده... ربما نهاية حلم. 
بيروت... أم رياح الغرب الآتية، شيء مبهم لا يمكن تصوره.
حاولت الصحف استقصاء الحقيقة، لكن الغموض لم يسمح بذلك... كان التلفار يعيد نشر صور الخراب والدمار، كل... كل الاذاعات تستبق نشر الخبر، بل الأخبار الواردة من البيروت.
حطت الطائرة القادمة من بيروت بمطار الدار البيضاء الدولي... نزلت إحدى القادمات من بيروت... أم لثلاثة أبناء.
حاول الصحفيون استفسارها عما حل ببيروت الميناء... كانت مصدومة،  لا تتذكر سوى شظايا الزجاج التي تناثرت حولها وهي تحاول ضم أبنائها إلى صدرها (الحمد لله أنني وصلت
بخير... يمكن لي أن أشخص لكم الوقائع من بعد).
في اليوم الموالي استرجعت بعض قواها... أجابت الصحفي بأنها لا زالت تعيش تحت الصدمة  وأنها بعثت من وسط جهنم.
أخذت الدول تقوم بإرسال المساعدات إلى المنكوبين ضحايا انفجار بيروت (فيروز).
كان أحد كبار العسكريين
يمتطي سيارة عسكرية مصفحة يحيي الجنود المرابطين بالمطار... كانوا يبادلونه التحية باحترام ودموعهم تهطل على
خدودهم الشاحبة وهم يقومون بتفريغ حمولات الطائرات التي أقلت المساعدات.
 في الجانب الآخر من بيروت كان الميناء ورشاً من أوراش
العمل التطوعي والإجباري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
نصب البدو خيامهم لاستقبال التعازي بعد أن شاع خبر
احتراق بيروتر(نحن أولى... كلنا عرب) منتهى السخرية والاستهزاء... باسم الشعب العربي والأمة الإسلامية أتقدم بأحر التعازي لشعب لبنان الحبيب.
أغلق الهاتف، وكسرت السماعة خوفاً من أن ينتقل إليها فيروس الانفجار.
لا زالت فاطمة القادمة من بيروت إلى الدار البيضاء تعاني من صدمة الانفجار.
قال أحمد لرفيقه وهما يعبران إحدى الطرق المؤدية إلى الميناء: بالله عليك ألا تظن بأن إسرائيل لها يد في الذي وقع؟
رد عليه وهو يحدق في عينيه وكأنه يخفي عنه شيئاً ما: أجل، بالتأكيد، وهل تشك في ذلك، ألا ترى الحصار المضروب على جنوب لبنان، إنه من الاستراتيجيات الأولى للتطبيع مع الكيان الاسرائلي. وماذا عن العرب؟ فاقد الشيء لا يعطيه يا أخي. 
ألا يكفيك أنهم نصبوا الخيام بعيداً عن بيروت التي ظلت حلماً.
الدار البيضاء المغرب.
رن الهاتف... رن ثم رن وأخيراً: ألو من على الخط؟الصحفي: مرحباً.
— كيف حالك الآن؟
— أحسن بكثير.
— هل يمكنك الحديث؟
— شيئاً ما.
— هل تتذكرين وقائع الانفجار بمرفأ بيروت؟
— أتذكر ما عشته أنا وأولادي لا غير.
— كيف؟
— كان انفجاراً قوياً هز أركان المدينة.
— هل تعرفين السبب؟
— ولا رئيس لبنان يعرف السبب.
— ما هي اوضاعك الآن؟
— طائر فقد وكره.
— ماذا ترغبين الآن؟
— الرجوع إلى بيروت.
— لبنان محاصرة من الجنوب.
— كل الدول العربية محاصرة، محاصرة من قديم يا أستاذ.
— وما العمل؟
— رثاء  في رثاء يا أخي.
— فيما سينفع؟
— اسأل الخنساء... أعرف أني أحرجك بأجوبتي... أنت الذي اخترت الاتصال بي.
— عفواً. 
— لا عليك.
حدثتني شهرزاد أن بعلبك حكت لها عن بيروت... نصب
البدو خيامهم لاستقبال التعازي (لما لا كلنا عرب ونحمل نفس الهم).
أجابه وقد أخذت الحسرة منه مأخذها:
— كلنا عرب ونحمل نفس الهم... كلنا أناس ونحمل نفس الهم... أرددها وأنا سائح أو نازح أجوب كل بقاع العالم.
— أجل يا أحمد،  إذا ضاع السلم ضاع السلام.... إذا ضاع السلام ضاع السلم... والباقيات الباقيات، الباقيات.

عبد الرحيم العابد.
المغرب: 2020. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة في رواية "عِقد المانوليا" للكاتبة المغربية نعيمة السي أعراب بقلم الناقد عز الدين الماعزي

العاشق الأسود / قصة قصيرة / نعيمة السي أعراب.

أطياف المرايا / قصة قصيرة / الأديب المغربي الأستاذ رشيد مليح.