لأول مرة أنام / قصة / الأديبة المغربية الأستاذة سلوى الإدريسي
{ لأول مرة أنام }
قصة.
عادة ما تستفيق تلك المشاعر الدفينة فجأة وفي مكانها غير المناسب، لقد بقي ذاك البركان الخامد حبيس كينونته دون انفجار.
كان يوماً من هذه الحياة، لكنه لا يتكرر، ولن يتكرر... صرخت في وجهه بأعلى صوتي، نعته بما هو عليه، لم أكثرت للحضور المجتمعين في القاعة.
لم يجبني بكلمة، كان كاللوح الذي يطفو فوق الأمواج... كان يظن أنني لست قادرة على هذا التصرف، فلطلما نعتني بالجبانة، كنت بين يديه طوال السنوات العشر الماضية، ولم يكف عن فعلته يوماً واحداً...
يتنفس الناس عبر شهيق وزفير، وأتنفس أنا بالأنين... لم يرحم طفولتي ولا ضعف قوتي، كان كالوحوش لا تمتثل إلا لرغباتها، انفجرت وانتهى الأمر... أحسست لأول مرة معنى أن تطير خارج القفص، حتى لو لم تكن تعلم أين وجهتك، ولا ماذا ينتظرك في ذاك الأفق الواسع... المهم أنك تطير دون قيود.
لم تكتمل حريتي في ذاك اليوم، حيث تفاجأت بصفعة على خدي من أقرب الناس إلى... كانت "أمي" تنعتني بالكاذبة...
نسيت الكلام وقتها، كأن لساني أصابه الخرس، ثم نطق هو بعدما حصل على التأييد، وقتلني بكلماته المدوية: "فعلت هذا لكي لا أخبرهم عن صديقك الحميم، يا لك من شيطانة تحاولين تزوير الحقائق أمام العائلة"....
نظرت إلى أمي رأيت في عينيها دموع التأسف، كأنها تقول لي ليس المكان المناسب يا ابنتي، بدأت الوشوشات تملأ القاعة... بعضهم غادر، والبعض الآخر في حيرة من أمرهم، لم يعد لدي خيار سوى السكوت القاتل من جديد...
عدنا إلى المنزل نحن الثلاثة، كان مبالغاً في اللطف مع أمي، فاليوم كانت ذكرى زواجهما العاشرة، كأنه يقول لها لاتكثرتي إنها مجرد مراهقة.
دخلا غرفتها، ودخلت عرفتي... كانت الليلة الأطول على الإطلاق، عند حلول الفجر دخل كعادته لغرفتي... هددني بأبشع التهديدات... توعد وصرخ بشكل هستيري... اقترب من الشرفة ليستنشق الهواء... تمنيت أن أدفعه ليسقط قتيلاً، لكنني تراجعت، فأنا لست بتلك الشجاعة.
في اليوم التالي استيقظت وكأنني نمت دهراً، كنت أشعر براحة كبيرة... توجهت نحو المطبخ لأساعد أمي في تحضير الفطور... كان شكلها غريباً وترتدي ثياباً بيضاء، ولم تضع أية زينة على غير عادتها... استمرت على هذه الحال شهوراً طويلة... لم أعد أرى زوجها في المنزل... ربما تخاصما،أو ربما رحل دون عودة.
سلوى الإدريسي
المغرب
تعليقات
إرسال تعليق