أطياف المرايا / قصة قصيرة / الأديب المغربي الأستاذ رشيد مليح.
أطياف المرايا مد يده إلى صحن الطعام الباذخ ليأكل ويلتذ بلذاذات الحاضر.لايمكن للمرء أن يأكل فوق حدود قدرة جسده مهما تمادى اشتهاؤه، خمن و بدا له أن مجرد أن يأكل المرء في حرية وسلام، هو منتهى تلك الغبطة التي تشكل نسغ الحياة الحقة، وتمنى لو كان بقربه أولئك الأعزاء الذين غابوا في هدير طواحين الزمن. تراجعت يده، للحظة، من الصحن إلى الطاولة، وكأنما لذغها، بغتة، جموح الأفكار الأسيانة، ثم أخذ يعزف بأنامله في حركة عبثية على الجسد الخشبي. تطالعه، في فضول، صورته المنعكسة على المرايا المضاءة بألوان مختلفة. من يخرج إلى الشارع للتجول في هذه الظهيرة الباردة من يوم الجمعة، لابد أنه يخفي هاجسًا جاثمًا يحاول اللعب معه، بكل مهارة وحدق غريزة العيش، عله يتمكن من تدجينه. لقد أدارت الحياة دواليبها سريعًا، نحو أقصى وأقسى الاحتمالات، فرحلت الأم، على حين غرة، وتبخرت بالتدرج، وعود الإخوة بأن يظل الشمل العائلي ملتئمًا. كان وجهها الصامت، الطاهر، يزوره في أحلامه، فتبتهج مهجته، في لحظة، لطيف روحها، وهو يحس بنفس شعور وجودها في الواقع الذي اندثر. لعلها مازالت حية في لاشعوره، بل كان يؤمن بأنها حية في دواخله، في نبضاته وج...
تعليقات
إرسال تعليق