أمي / اعتراف / الأديبة التونسية سعاد رحومة. .
* أمي *
كلي رغبة للبوح والاعتراف، ليس هناك يوم معين لحب الأم، إلا أنني أردت إهداء التحية لكل أم، وتحية خاصة لأمهاتي.
أمهاتي مغايرات مثلي ومتناقضات كتركيبتي،
فكيف بدأت القصة، وما هو لغز الحكاية؟
زمان، ومن زمن بعيد كانتا امرأتان، لا تعرف الواحدة منهما الأخرى، لم تتقابلوا، ولم تظنا أني سوف أكون قاسمهما المشترك.
واحدة لا ذكرى لها عندي، غابت عني دون رجعة، والثانية قضيت معها أكثر من نصف عمري، ناديتها "أمي" منذ نطقت بالكلام، هي أول من ضمني وأشعرني الدفء والحنان.
حياتان في كياني متضادتان، لكنهما وللأسف حياتي:
إحداهما كانت بمثابة نجم هوى، بحثت عنه، تعبت لأجده، كلفني كل الشقاء، لكن لم تهتم وبالعراقيل تعللت،. منافقة أو خائفة، أعذرها أو لا، أنا نفسي لا أجد الجواب.
الأخرى، هي الشمس التي أضاءت طريقي، والقمر الذي أنارني، سهرت على رعايتي لحد كتابة هذا الاعتراف.
الأولى وهبتي الحياة، أعطتني جذوراً جينية مبتورة بلا قيمة، خلقت لي رغبة التحدي.
والثانية علمتني كيف أعيش بكرامة، وجهتني، غمرتني بحنانها، وهبتني أصلها وحبها اللامشروط، ومهدت هدفي في الحياة.
واحدة لم تمنحني إلا مقاومة ما أختارته، وأورثتني جمالاً أوقعها، بينما الأخرى. أذابت كل أحاسيسها حباً لي، تلملم جراحي، وهي وهبتني الحياة وأن أكون نفسي هدية تمنتها.
الأولى، رغم لهفتي، قررت إلغائي من حياتها.
الأخرى كانت معي، ومهما تمردت، ومهما أخطأت لم تخذلني.
للأولى احترام الإنجاب، فهي حملتني وأنا في رحمها كنت، أتفهم شقاءها، لكنها قتلت معنى أنها أم أردتها.
والثانية هي رمز الإيثار، و لا تقدر على دموعي، ولو أكون سبباً في تألمها.
واليوم، وأنا أبكي أطرح السؤال الأبدي أيهما أفضل؟
فهل هو الميراث البيولوجية، أو التربية، وثمرة من أكون؟
أنا نبعت من نموذجين مختلفين، من جذور رفضتني، ومن مجهول صدفة دخلت حياته.
كل له ماضيه، ولكل اختيارات، وكل مسؤول عن قراراته،
فكيف أكون وأنا لم أختر، بل فرضت على الكون؟
فحين تسأل معنى "أم" حقيقة، لا يسعني إلا هذا الجواب:
أمي من ضمتني وقتني من الشدائد، ومن أعطتني دون مقابل.
أمي من تصفح وتسامح الأخطاء،. فالعمر الذي ضاع، والجذور المتجاهلة لا أكرهها، ورغم الصد أجد لها الأعذار.
أحبك أمي، فمنذ. حملتني في حضنك ومضة حب خلقت بيننا، وبسمة رقراقة أفهمتني أني كل شيء في حياتك، فأنت من أرضعتني الحنان، ومن علمتني كيف أخطو أول الخطوات، فكم قرأت لي حكايات، أفهمتني معنى الاحترام والتمييز بين الصح والخطأ، دربتني التحليق عالياً، والشموخ وتحدي الصعاب.
أمي من تابعتني وأنا أكبر... فكل ذكرياتي، وكل ماضي مع من "ولدت في الحياة"، وخلقت مني كائناً مستقلاً.
أتوجه لكل أمهات العالم، شكراً على تواجدك... والحياة هدية أجمل ما فيها وجود الأم.
فاغتنموا حبهن، لكن لا تنسوا أن الحب والتربية تفوقان بكثير حب من أنجب وتخلى.
ففي كل لحظة أقول: أنت أمي الحقيقية، وأنت الوحيدة التي أحبها... "سيدة" الكون هي أمي، علمتني كيف أسبح في معترك الحياة.
أحبك، ولا غيرك أحب، وأبي "هادي" الطباع كريم وجواد معطاء.
سعاد رحومة.
تونس.
تعليقات
إرسال تعليق