قراءة نقدية للناقد المغربي الأستاذ العربي ازعبل لقصيدة "الغربة" للشاعر التونسي الأستاذ خالد الساسي.



شكرا لأستاذنا القدير الأديب السامق  عبد الرحمن بو طيب Abdou Bout على الدعوة الكريمة لهذا المنبر الأدبي المبارك متمنين لهذا المولود الجديد النمو السريع والتقدم والازدهار تحياتي للجميع ادارة حكيمة وأعضاء ميامين .


قصيدة "الغربة" مرفوقة بدراسة وتحليل الاديب والناقد المغربي الكبير الدكتور العربي ازعبل Larbi Izaabel

الغربة

من بحر المتقارب التام

بقلم الشاعر خالد الساسي /  تونس

خلوت بنفسي مع الذكريات

أجمّع فكري ألمّ شتاتي

موازات بين حياتي بأمسي

فلا فرق ما بين ماض وآتي

أحس بغربة روحي ببيتي

وغبن سحيق يهدّ ثباتي

أنا العربي المشتّت شملي

أنا من أحارب رغم وفاتي

جمعت ضربت طرحت قسمت

فقد فاز بؤسي على الأمنيات

طمحت بوصل السعادة دوما

فنابت على وصلها النائبات

يكلّ يراعي ويكمل حبري

ولن ينتهي السّرد من حكاياتي

اذا كنت يا زمني تمتحنّي

فإني تفوّقت في العثرات

رضعت المصائب من ثدي أمي

ونلت الجوائز في النكبات

مضى العمر بين شجوني وكدري

عدمت الطّموح وأطمست ذاتي

أ لا يا حياتي متى تستقيمي

أ بعد المشيب وقرب الممات

أعيش بأوطاني عيش الغريب

أنفّذ بالحرف أمر السّدات

وإن متّ لن يأبهون لأمري

وفي غربتي سوف تبقى رفاتي

بقلم الشاعر خالد الساسي

قراءة تحليلية لقصيدة الشاعر :

 الشاعر خالد الساسي 

القصيدة: الغربة 

قراءة وتحليل : Larbi Izaabel

هذه المرة ؛ يعود إلينا الشاعر

و المفكر التونسي إلى موضوع (الغربة) لكن ؛ وفي قصيدة عمودية وفي بحر المتقارب التام الذي عرفوه

كما يلي :

عن المتقارب قال الخليل

فعولن فعولن فعولن فعولُ

له عروضتان: فعولن ؛ وضروبها ثلاثة:

فعولن / فعول / فعَل .والثانية : فعل،

وضربها مثلها.

من حيث المضمون : ركز الشاعر عن ( غربة) ، ليست خارج الديار ولا في مهجر ولا في زمان ومكان محددين !!

هي أذن غربة (الانا) في (أنا ) بل غربة أقسى وأشد على النفس من اي نوع آخر من أنواع الغربة !! أن تكون بين الأهل و بين احضان بلدك وفي بيتك وانت في كامل قواك العقلية والنفسية وتشعر ب(الغربة )..معناه : " إن للصبر حدودا" يقول الشاعر خالد الساسي:

أحس بغربة روحي ببيتي

و غبن سحيق يهد ثباتي

هنا غربة الروح لا غربة الجسد ! هي صورة لمن فقد كل الأمل ، صورة عدم "الثقة" في زمن التكنولوجيا، زمن تغيرت فيه المفاهيم ، وتلاشت فيه القيم ، قيم الصفا والصدق وتحمل المسؤولية ...زمن كثرت فيه الشعارات الجوفاء وقل فيها التطبيق والعمل للصالح العام ...لا تستطيع أن تفهم قصد القريب، فكيف يمكن أن تفهم قصد البعيد ...غربة قاسية أن تشعر بيتك/ وطنك/ اهلك أنك وحيد ؛ لا من يشعر بك ولا من يتلمس احاسيسك وشعورك وافكارك...هي إذن غربة تؤدي إلى غربة الروح وغبن حتى وكأنك تعتقد أنك فقدت ثباتك ...بل تشك في نفسك ، وتسارع في طرح السؤال الصعب : هل( أنا )هو( أنا ) ؟ هل وصلت إلى نقطة لا رجوع ؟ هل كل ما طمحت إليه صار سرابا بين عشية وضحاها ، وأنا الذي خبرتني الليالي والصعاب والمشاق و نوائب الدهر ، فلم تستطع النيل من عزيمتي وقدراتي ؟؟؟!

ثم ينتقل إلى أخف الضررين ويقول:

أنا العربي المشتت شملي

أنا من يحارب رغم وفاتي !

عجيب أمر شاعرنا !! وطريقة لفت انتباه القارئ المتسرع !! في أن القصيدة ، هي لوصف حال أمة ، وليس حاله هو !!!

نعم ، الخطاب في القصيدة كلها من ( المتكلم) كلها : وكأن الشاعر يشكو من الغربة والضياع وعبث الزمن بل والمكان ب( اشتغاله على ضمير المتكلم) ليس هناك ( نحن) أو (هم)!!!

فنية شعرية في غاية الروعة والاتقان وفي سبكة تتلاحق فيها الأفكار والأحاسيس والعواطف من أول شهقة إلى ختام القصيدة دون أن يشعر القارى المتسرع أن الشاعر : شاعر ملتزم بقضية أمة !!! يستنهض الهمم ؛ ويوقظ الميت من الضمائر !!

هو يتحدث عن ( أمة) في غربة وهي في أوطانها...اسمعوه يقول:

أنا (العربي) المشتت شملي

كناية عن التشردم والتفرقة والمنافسة غير الشريفة والتكبر وعدم المساعدة القوي من الأمة ضعيفها؛ و اصطناع المشاكل الهامشية التي لا تفيد شعوبها في شيء ...هي علاقة غادر لمن يشترك معه الدين واللغة و التقاليد والعادات وربما نفس الجوار الجغرافي ونفس الأمل ونفس الطموح !!!

ويزيد الشاعر : خالد الساسي الطين بلة قائلا في الشطر الثاني لنفس البيت :

أنا من يحارب رغم وفاتي .!!

نعم ، هي صورة ادارامية يقدمها لنا الشاعر على اعتبار ( أن لا أمل) مادمنا على هذه الحال .فكل قطر مقوقع على ذاته ؛ متكبر عن جاره؛ لا مساعدة ولا تفاهم بل ولا أن يترك الآخرين يشتغلون كما يحلو لهم !!! فعلا صورة واقع ادرامي لأمة نرجو أن لا تفقد ما تبقى من كرامتها مجانا بل وتفقد مستقبلها ....

قصيدة عمودية في بحر المتقارب الكامل كناية عن ( التقارب بين الأقطار العربية ) كاملة ويد في يد ... لاسعادة المجد المفقود !

كل تقديري واحترامي لشاعر كبير ( من تونس الخضراء) الأستاذ: الشاعر خالد الساسي....معتذرا عن عدم ايلاء الشكل الفني للقصيدة ما يستحقه من تمحيص .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة في رواية "عِقد المانوليا" للكاتبة المغربية نعيمة السي أعراب بقلم الناقد عز الدين الماعزي

العاشق الأسود / قصة قصيرة / نعيمة السي أعراب.

أطياف المرايا / قصة قصيرة / الأديب المغربي الأستاذ رشيد مليح.