التعليم عن بعد / مسرحية تربوية للشباب / الأديب والمسرحي الأستاذ جبار آل خديدان القريشي / العراق.


(التعليم عن بعد).

مسرحية للأطفال.

تأليف: جبار آل خديدان القريشي.

العراق.


= الخطاب المسرحي.

المسرح عبارة عن غرفة نوم أطفال فيها سرير، كرسي، ساعة حائط، ملابس معلقة، حذاء (ترانشوز)

مرمي قرب السرير، حقيبة وكتب مدرسية مبعثرة بفوضوية.

    = شخصيات المسرحية.

طفلان: سنفور الكسول، وصديقه.

= الفعل المسرحي.

(يظهر سنفور الكسول نائماً في فراشه، وصديقه واقف عند رأسه بملابس أنيقة، وكمامة، حاملاً حقيبته 

المدرسية على ظهره، ينظر إلى الساعة المعلقة خلفه تشير إلى السابعة والنصف صباحاَ).

صديقه: هيا يا صديقي... لقد تأخرنا... كفاك غثياناَ، أما شبعت من النوم؟

السنفور الكسول: (يتثاءب ويتململ، يقول منزعجاً):

آه... مالك؟ دعني نائماً يا هذا، إياك أن توقظني.

صديقه: سيدق الجرس، وسيغلقون الأبواب من دوننا، لقد انتهى يا صديقي نظام التعليم عن بعد، 

والمدارس فتحت أبوابها، وكورونا رفعت الراية البيضاء، وانحسرت، لقد أعلنت استسلامها أمام اللقاح 

الجديد.

كسول: من أين لك هذه الأخبار؟

صديقه: بالأمس خرج وزير الصحة وأعلن ذلك.

كسول: الأمر يا صاحبي ليس بيد الوزير، ولا بيد غيره.

صديقه: بيد من إذا؟

كسول: بيد كورونا نفسها، العالم كله يأتمر بأمرها.

صديقه: الوزير يا صديقي خرج بنفسه على التلفاز وأعلن ذلك، أنا رأيته بأم عيني، وسمعته باذني هاتين.

(يؤشر على أذنيه).

كسول: لا تصدقه أبدا.

كل مرة يخرج لنا وهو يغطي نصف وجهه، ويتحدث من وراء الكمامة ليلقي لنا نصائحه السمجة، 

(يجلس كسول على سريره، ويمثل حركات الوزير وهو يخفي وجهه خلف نظاراته وكمامته).

كسول: بالحقيقة والواقع، نحن نواجه جائحة عالمية خطيرة، يجب علينا أن نلتزم بتعليمات خلية الأزمة 

لمواجهتها، وعلينا الالتزام بالتباعد الاجتماعي، ولبس الكمامة، وأخذ اللقاح.

والغريب أنه يقف ملاصقاً لاثنين من معاونيه وهو وهم بلا كمامة.

صديقه: ذكرتني، هل أخذت جرعة اللقاح الثانية؟

كسول: ومتى أخذت الأولى لآخذ الثانية.

صديقه: أنا أخذت الجرعة الثانية قبل يومين، والآن أشعر بالحيوية والنشاط.

كسول: النوم هو الجرعة الوحيدة التي آخذها.

(يعاود النوم مجدداً، ويغطي رأسه... ويقول):

كسول: اسمع يا صديقي... لن أذهب للمدرسة مهما حاولت، ولن آخذ أي جرعة لقاح، أفهمت.

صديقه: إذا سأذهب أنا وحدي، ودعك أنت غارقاً في نومك، مع السلامة.

(يخرج صديقه، ويبقى كسول يتململ في فراشه، يحرك رأسه، ثم يحرك رجليه ويديه، ثم ينهض 

متثاقلاً... يحاول أن يرتدي ملابسه بتململ).

كسول: يا إلهي... لا أستطيع أن أحمل رأسي، كيف بي حمل حقيبتي.

'يدور في المسرح... يبحث عن حذائه).

كسول: أين جوربي الأزرق... (يبحث عنه، لا يجده، يستمر بالتفتيش).

جوربي الأزرق، الأحمر... الأسود، أيهم أجده، لا يفرق عندي، المهم أنني أجد جوربا.

(يجد فردتي جورب ممزق بلونين في جوف حذائه، يتأمله بقرف، يمط شفتيه، ثم يلبسه).

كسول: جورب بلونين لا بأس، ولكنه ممزق، شيء غير معقول. 

(يهز رأسه).

كسول: لا ضير في ذلك، سأخفيه تحت الحذاء.

(يتوقف فجأة).

كسول: لا... لا... وإن طلبت منا معلمة الرياضة أن نخلع أحذيتنا، ماذا سأقول حينها؟

(يستطرد).

لكن... لا مشكلة في ذلك، أليس بنطالي ممزقاً هو الآخر، إنها الموضة، كذلك الجوارب، ما الضير في 

ذلك إن كانت ممزقة هي الأخرى، لا أرى مشكلة في ذلك.

(يمسك حقيبته ويقوم بتمزيقها).

كسول:(يضحك) ههه... حقيبة ممزقة، حتى كتبي سأمزقها، سأمزق كل شيء حتى فراشي، وكل ما 

حولي... إنها الموضة.

(يتململ وهو ينظر لحقيبته ولوازمه).

كسول: يا إلهي... كيف باستطاعتي حمل كل تلك الأغراض، كتبي وحقيبتي ولوازمي، ومطارة الماء، 

واللفة التي ستحضرها لي أمي.

يا للهول، لا أستطيع أن أحمل رأسي، فكيف لي أن أحمل كل تلك الأغراض، شيء لا يصدق، اللعنة.

(يدور في المسرح مترنحاً وهو يخط برجليه... كأنه ثمل).

كسول: يا إلهي... كانت الدراسة عن بعد أفضل شيء يناسبني.

كنت أجيب على أسئلة معلمتي وأنا ممدد تحت الغطاء.

كثيراً ما كنت أجيبها وأنا أتناول غدائي.

وأحيانا أجيب على الأسئلة وأنا في الحمام.

وأحيانا أخرى كنت أسجل أجوبتي وأنام وأترك الهاتف يتولى الرد نيابة عني، أضعه على وضعية الرد 

التلقائي.

(يدور في المسرح، يخرج دفاتره، ينشرها على الجمهور، وهو يتصفحها).

كسول: انظروها... إنها نظيفة، لم تمسسها يد، لم أضع على سطورها حرفاً واحداً، إنها نظيفة كيوم ولدتها 

أمها،

هه... هه... أقصد كيوم صدورها من المطبعة.

(يردد):

    قم للمعلم وفه التبجيلا         

   كاد المعلم أن يكون رسولا

كسول (يحاول أن يقوم).

كسول: يا إلهي... لا أقوى حتى على القيام، يبدو أنني أحتاج إلى بعض المقويات كي أقوم لمعلمي.

لكنني أفضل أن تبقى الدراسة عن بعد، حتى العمل لماذا لا يكون عن بعد، ما الضير في ذلك؟

والأكل أيضاً... مثلا نتصل بالمطعم فيرسل لنا وجبة طعام الكترونية، باليوتيوب، أو عبر الوات ساب، أو 

الماسنجر، أو حتى على الفيس بوك أو الانستغرام، ونبدأ بأكلها عن بعد، هكذا.

(يمثل دور شخص يأكل).

كسول: شكراً كورونا... فلقد أصبحنا بفضلك أمواتاً ونحن أحياء... لم أر الشارع منذ أشهر، لم ألتق 

بصديق، لم أذهب إلى فرن الصمون، ولا إلى دكان الخضار، فكيف لي أن أذهب إلى المدرسة، وقد نسيت 

كل شيء فيها حتى شكلها.

(ينظر إلى يديه).

كسول: يا للهول... لقد طالت أظافري، وطال شعري، وطالت حتى قدماي،

(يحاول أن يلبس حذاءه، لا يستطيع).

يا إلهي... حتى أنا أصبحت طويلاً جداً.

(يمشي على أطراف أصابعه).

كسول: ها... بربكم... ألا أبدو طويلاً.

(يحاول أن يرتدي بنطاله وقميصه، يجدها ضيقة). 

كسول: ما هذا!؟... حتى ملابسي لم تعد على مقاسي... كل شيء تطور عندي، إلا عقلي ومداركي، أشعر 

وكأنها ما زالت على حالها، أو أنها تراجعت، أصبحت كالإنسان الآلي. 

(يمشي مقلدا3 حركات الرجل الآلي، وهو يردد عبارات متقطعة).

كسول: أنا... محدثكم... كسولو... اضغط صفراً... اثنين اثنين... ستة، ستجدني بين يديك، فأنا أجيد 

الطبخ، والرقص، والحلاقة، وتكسير الصحون. 

(يضحك) 

هيا... لنتعلم عن بعد.

مع تحيات محدثكم كسولو.

(يعود صديقه من المدرسة وهو يحمل حقيبته، يجده بهيئته وكأنه يريد الذهاب تواً إلى المدرسة... 

مستغرباً):

صديقه: معقول!؟ لم أرك في المدرسة، متى عدت؟

كسول: سأذهب الآن يا صديقي.

صديقه مستغرباً: الآن...أيعقل هذا!؟

كسول: سألتحق مع الحصة العصرية.

صديقه: لا عصرية... ولا صبحية، الدوامان انقضيا.

كسول: لا بأس، سألتحق إذاً بالحصة المسائية.

صديقه: والمسائية أيضاً انقضت.

كسول: إذاً سألتحق بالحصة الليلية.

صديقه: لا ليلية ولا نهارية، كل المدارس أغلقت أبوابها، ولم يبق سوى الحراس، وسيخلد الجميع للنوم.

كسول: حسناً، إذا سأخلد أنا أيضا للنوم، أرجوك ساعدني على خلع ملابسي. 

(يحاول أن يخلع ملابسه، يعاني من صعوبة).

أرجوك ساعدني... إنني متعب جداً يا صديقي.

صديقه: متعب!؟ متعب من ماذا!؟

كسول: من النوم يا صديقي... النوم متعب حقاً.

صديقه: كثرة النوم تورث أمراضاً كثيرة.

كسول: الأمر ليس بيدي، ماذا أصنع؟

صديقه: الرياضة... والعمل يا صديقي، جرب أن تمارس الرياضة، أو أن تعمل أي شيء.

كسول: وماذا أعمل مثلاً؟

صديقه: أي شيء.

كسول: لا أستطيع.

صديقه: حاول... مثلاً أن تهتم بحديقة المنزل، تشذب الأشجار، وتقتلع الحشائش المتطفلة، وتسقي الثيل، 

أو أن تساعد أمك في بعض أمور البيت.

كسول: قلت لك لا أستطيع، ألا تصدق... حتى عندما أستحم أشعر أنني لا أستطيع.

صديقه: حاول.

كسول... (يتثاءب، ثم يتمدد لينام).

كسول: آه... سأحاول أن أنام مجدداً، ما رأيك؟ الشيء الوحيد الذي أجيده هو أنني أنام.

(صديقه بحزم).

صديقه: اسمع... إن لم تترك عادة الغثيان والنوم فسوف أهجرك، ولن أتخذك صديقاً.

كسول: وأين ستجد صديقاً وفياً مثلي؟

صديقه: سأبحث عن صديق يشبهني في سلوكي وعاداتي، لا أحب أن أبدد عمري في النوم، النوم لو كان 

ينفع لنفع أهل القبور، خذ حاجتك من النوم، واستثمر الوقت في أعمال مفيدة.

(يخرج... ويبقى كسول في فراشه).

(يعم الظلام كامل المسرح، بقعة ضوء تظهر كسول جالساً متكوراً على فراشه وهو يحدث نفسه).

كسول: فعلاً...لابد أن أفعل شيئا، لابد أن أغير نظام حياتي، تباً للنوم الذي استعبدني، لابد أن أغادر هذه 

العادة المقيتة، فلقد خسرت بسببها كل شيء، حتى أقرب الناس إلي... لا بد أن أتخذ قراري بمغادرتها، 

لا بد أن أتخذه الآن) .

(ينهض... يؤدي بعض الحركات الرياضية، يقفز في مكانه، ثم يمشي إلى اتجاهات مختلفة بجسم 

منتصب، وكأن قوة خارقة قد شحنته، يبدو عليه النشاط، يبعثر فراشه ويلقي به جانباً، ثم يعود فيبدأ 

بترتيبه، ومن ثم يرتدي ملابسه على عجل، يحمل حقيبته المدرسية بكل ثقة، ويمشي مشية المنتصر على 

عوامل ضعفه، مرتدياً كمامته).

= ستار= 

نهاية المسرحية.


الكاتب جبار ال خديدان القريشي.

العراق.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة في رواية "عِقد المانوليا" للكاتبة المغربية نعيمة السي أعراب بقلم الناقد عز الدين الماعزي

العاشق الأسود / قصة قصيرة / نعيمة السي أعراب.

أطياف المرايا / قصة قصيرة / الأديب المغربي الأستاذ رشيد مليح.