قراءة في نص شعري للشاعر ناجي الجويني، للناقد الاستاذ غسان الحجاج.


 التوظيف الرمزي في نص سينفلت الجرح" للشاعر التونسي ناجي الجويني. 

قراءة بقلم الناقد غسان الحجاج.


إن التأرجح بين تياري الوعي واللاوعي، تحت وطأة الضغط النفسي، يماثل طريقة البندول  المنساق بتأثير قوة الجذب الأرضي، وهو ما يميز  هذا النص النثري للشاعر.

فالرؤية تتضح شيئاً فشيئاً من خلال الخارطة المشفرة التي توهجت في قلبه، فبدأ بوضع ظله الذي اعتمد عليه كنقطة ذهابٍ وإيابٍ، ولكنه تلاشى حين كان يتبعه، فمن ترى يتبع من؟ 

ربما كان هذا الظل شبحاً من الماضي البعيد، يراوده في أحلامه، بل حتى في هواجس اليقظة، لذلك كان هذا الظل بمثابة العمود الفقري لنص الشاعر، حيث أخفى حنينه إلى الماضي المجيد في جلباب هذا الظل.   

فما هذا الظلّ في حقيقة الأمر سوى رمزٍ تتناسل منه (الأنا)، فهذا التوظيف الرمزي هو انزياحٌ معنوي بحد ذاته  يقوم عليه جسد النص، حيث ينتهي اللاوعي مؤقتاً ليعود الشاعر إلى أنه، مستحضراً ضميره المنفصل (أنا)، ولكن عودته كانت متأرجحة أيضاً بين الواقع والأحلام، وفي كلتا الحالتين كان يتداعى كظله المتلاشي،

ويتجرع دموعه على مضض، وهو يستند على جدران الرمزية مرةً أخرى مستخدماً مفردة (تين)، ربما كناية عن الشباب الذي ضاع سريعاً لكون موسم التين قصير جداً، وهذا التشبيه الحداثي يحسب له لما فيه من إيحاءات بعيدة عن التقريرية، بل إن الشاعر التقط هذه الصورة الشعرية من أفق مخيلته الخصبة قبل أن يستفيق من استغراقه في بحبوحة الحلم، لكنه تحول من نشوة الحلم على وقع تأوّه الجرح الموغل في الاحشاء والروح، على حد سواء، 

وهو ما يزال يترنح في غياهب آلامه بعد أن غادرت الشمس أفقه الحزين، كل ذلك الانسكاب الوجداني هو انعكاس لما يكابده في هذه الرحلة الوعرة الشائكة الدروب، وهو يشخب دماً من جراء الطغاة.

هذه المحاكاة الذاتية هي صورة ثلاثية الأبعاد لشعب يتعذب، حتى رأى أن لا مكان للعيش في هذا الوطن المنفى، فلم تعد تعنيه الصحراء، ربما لأنه نسي ظله ملقى على الكثبان، ودرسته الريح دونما أثر، لذلك هو مازال يبحث عن نفسه لعله يجدها بين هذا السراب، حيث فتح الشاعر بصيص أمل، كشرفةٍ يشاهد منها الحياة في هذه الرحلة البحثية المنية، وكأن قلبه بوصلةٌ تشير إلى الشمال.

إن هذا التوق الملح الملمح له هو باتجاه الأندلس، ولربما انتقل عبر الموروثات من الأجداد العظام الذين فتحوا بلاد الأندلس، في إشارة مرجعية إلى حالة من اللاوعي مجدداً تجذرت في مخيلة الشاعر عبرصورة تاريخانية من البوح المتوهج في لحظة كشف من أعماق الذات.


 = النص الشعري المدروس، للشاعر الجويني. 

          "سينفلت الجرح"


نحيف هذا الظلّ

يتبعني

أتعبته المسافات

منهك هو 

تتضاعف أنّاته

من شحّ هذا الوقت

أنا الذي سرتُ طويلا

وحلمت كثيرا

ثمّ بدأت 

أعمدة الرّوح تتداعى

لتنسكب أحلامي

دمعة دمعة

مذاقها جارح

تينٌ

في كامل خصوبته

يفقد ألوانه

يُسقِطها في التيه

حيث غفت شمس الغد المأمول

 أياديهم ملطخة

بدمي

مغمّسة ضحكاتهم

 في وجعي

 طريقي شمالي

أنا

اكتفيت من الصحراء

ومن سخرية أشباح

الطغاة

ربما

سينفلت الجرح 

من الوجع

يوم أجد ظلّي

لتتسع رؤية الحياة

      

 ناجي الجويني الشاعر. 

(مليون شكر للناقد غسان الحجاج الذي كم تشرفنتي صداقتهم، هو وثلة من الأحبة).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة في رواية "عِقد المانوليا" للكاتبة المغربية نعيمة السي أعراب بقلم الناقد عز الدين الماعزي

العاشق الأسود / قصة قصيرة / نعيمة السي أعراب.

أطياف المرايا / قصة قصيرة / الأديب المغربي الأستاذ رشيد مليح.