ذلك المكان... وأنا الكاتبة / خاطرة / الأديبة التونسية الأستاذة لمياء بولعراس.


ذلك المكان... والأنا الكاتبة.


خبرت ذلك المكان في ركن من زاوية من غرفتي... هو ركن لوّنت أمواج البحر بزبدها سقفه واعتلى الموج جدرانه يخبر عن كتب تلعثمت في التعبير عن كنهها إلا بلمسة يدي الباحثة عن كلمها المسجّى بين سطر َوحرف... أختلي فيه بصدري الطافح بحروف استحوذ ت على فتنة الأنثى المخفية وراء كلمة.. خبرت فراشي الموشّى بكتاب حالم معي بذاكرة الأمس، ساطع كشهب اشتد بريقها مع ولادة فكرة أو نبض قلم حاك بحبره قصة الآتي المرقوب.


خبرت ذلك المكان أكثر مما أخبر تفاصيل من عمري... كل ما أحتاجه من صراط الحياة القويم... طريق معبد بالحرف أقتاد فيه كتابا... أتناثر عبر حروفه كلؤلؤة تبرق بسطر أنبش في أغواره أو أطوّعه ليراعي... كلم أستوي معه وأطوي كينونتي في فراش يقارب نافذة وعلى وسادتي أرمي بشَعري وأراود ورقا يحتوي شِعري أو البعض من بعضى المتآكل على صفحات من كتاب. 


خبرت ذلك المكان الراقي لا في بذخ تأثيثه أو رونق هندسته الداخلية وإنما خبرته لأنه امتلك سريرتي بين ما أرقنه على حاسوبي أو هاتفي... كل ما أحتاجه استفاقة صباحية تتوالد مع سكون الآخر الذي استولت عليه غفلة النّوم... أرعى من نافذتي أفول نجم يحاذيه القمر وإطلالة شمس غار وراءها البدر واستفاق مع ضيائها حرفي يغازل نورها الوليد.


خبرت ذلك المكان المتهاوي على كتفيّ... هو زاد لأنوثتي المتعطرة منه... أرمق ذلك الركن من غرفتي بمقلتين مشدوهتين لحلم الكتابة، أختلي بنفسي لإنيّتي الطافحة بالحياة الموردة... أجتبي من ورودها تاجا سحريا لحرفي أشتم فيه عطر مَن غار في دخيلتي فأحويه برمشي لأصير معه جوهرة اتّقد وميضها من حرف أسِرّ له بما ارتجّ فيّ ولم يتبعثر إلا بلمسة زر أو مسكة قلم أدوّن بها بصمتي.


أحب ذلك المكان المتفرّد بي، ينتشلني من صمتي، يماهي أنفاسي الساكنة فيه. يتهدج له حرفي في غفلة عن الزمن المهدر. تتماثل له كتاباتي للشفاء من ترهات الخواء، تتمايل الجملة بين طيات كتاب، وتجاويف كتابة، أثمل معها إلى حدّ الانشاء من مغزى كلمات ترفعّت عن حركاتها وحروفها لأنطلق معها نحو الأنا الكاتبة.


لمياء بولعراس.

تونس.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة في رواية "عِقد المانوليا" للكاتبة المغربية نعيمة السي أعراب بقلم الناقد عز الدين الماعزي

العاشق الأسود / قصة قصيرة / نعيمة السي أعراب.

أطياف المرايا / قصة قصيرة / الأديب المغربي الأستاذ رشيد مليح.