عرس ‏الزوج ‏/ ‏القاصة ‏حبيبة ‏محرزي ‏/ ‏تونس. ‏

عرس الزوج.
قصة نفسية قصيرة.

انكمشت في أعلى نقطة من الفراش، جمعت ركبتيها بعد أن لفت عليهما ذراعيها، وكبت فوقهما رأسها المتصدّع المغلّف بضمادات بها بقع دم بنية. 
الممرّضة تقترب وهي تزداد جموداً وتحجّراً. حاولت أن تجذب ذراعها كي تحقنها بالمهدّئات والمنوّمات، إلاّ أنّها انكفات على وجهها كتلة واحدة لا تتجزأ.
كل كيانها أصبح عقدة واحدة لا يمكن نبش طرف منها دون آخر. استعانت بممرّض قويّ البنية جذب أطرافها. لكنها تعود إلى وضعها المتخشب قبل أن تصل الحقنة إلى الوريد. 
جاء ممرّض ثان، برك فوقها واضعاً ركبتيه على ذراعيها وصدرها تحته. 
وجاء ثالث تكفّل بشلّ الرّجلين، وقيدوها على السّرير الحديديّ بأحزمة جلدية قوية بها صفائح حديديّة أيضاً.
عضّت لسانها حتى نزّ منه الدّم وسال ليرتسم على جانبي المخدّة الرّثّة. 
منذ أيام قليلة شعرت بحركة غير عاديّة في الحوش، حماتها تنظف الأركان وتغيّر المفارش وتكدّس المشتريات. سألتها بعفويّة:
— هل سياتينا ضيوف؟ 
لم تجبها، أشاحت عنها بوجهها، وواصلت عملها، بل إن لسانها لعلع بالزغاريد.
حضرت الجارات متغامزات متهامسات.
منذ سنة، وفي مثل هذا اليوم، جاءت إلى هذه الدار عروساً تختال في ثوبها الأبيض، جميلة جذابة، أحبته ورضيت بالعيش معه في غرفة وحيدة في دار حماتها. المهم أنها ستجمعها بحبيب اختاره قلبها وهفت له كل جوارحها واستبشر به كيانها.
لكن الحمل تأخر، والشائعات تقول إن الرئيس سيلغي التعدد ويعاقب كل من يخرق القانون بالسجن.
ليس ذنبه، من حقه أن يبحث عن زوجة تخلف له ذكراً وبسرعة قبل صدور القانون. 
العروس مسمّرة في وسط الدار، والقلق باد على محيّاها المتجهّم، والنساء يحاولن فتح الباب، لكنّ أمينة رصّت وراءه كلّ ما في الغرفة كي لا يفتحوه لتدخل منه العروس الجديدة وتبيت مع حبيب القلب على نفس الفراش الذي سلمته عليه روحها وفكرها وحبها الصادق.
 النساء يحاولون، وأم العريس تزغرد كي لا يتفطن الجيران إلى هذا الخطب.
العريس يرقب المشهد من بعيد.
النساء تراجعن يائسات، أومأ إلى أخ العروس الجديدة كي يتبعه، تقدما مستنجدين بعضلاتهما المفتولة القوية، ودفعا الباب لينفرج شيئاً فشيئاً. انسابت يده بين الدّفّتين وأنشبت أظافر ها في شعر عروس الأمس المرعوبة.
جذبها إليه، بينما تكفّل مساعده بدفع الدّفة اليمنى لتتهاوى الأشياء وتتناثر الصناديق والكراسي على الجانبين.جرها على الأرض حتى زريبة الدّوابّ.
رماها هناك في ركن آسن قرب مربط الحمار والبغل قبل أن يعود ليحتضن عروسه التي ستحمل بالذكور منذ اليوم الأول كي لا يكون مصيرها كمصير الأولى. سمع صراخاً وعواء وصياحاً، لم يهتمّ، فالعروس تنتظر بعد أن رُتّبت الغرفة ورُشّت بالعطور وتضمّخ فضاؤها بالبخور المجلوب من الحج تبركاً ببيت الله. 
جرى خلفها بعض الأطفال والشباب، اختفت بين الأشجار حيناً، وظهرت لهم حيناً آخر، ثم غابت عنهم. بحثوا، وانبثوا في كل الجهات حتى صرخت رحمة:
— تعالوا، اجروا.
اقتربوا، فإذا تخبّط وضجييج في البئر، قفز أحدهم، جمعها على كتفه وربطها بحبل. استخرجوها عارية إلا من بعض ثوب تجمع عند صدرها وقد سالت مياه مختلطة بدماء تنز من جرح غائر في رأسها. 
الممرض يحاول تغيير الضّمّادات، لكنّه وقف ينتطر أن يسري المهدئ في الأوردة فيشلّ العقل عن التفكير في العروس الجديدة التي ماتزال تنام على فراشها.

حبيبة المحرزي. 
تونس.

تعليقات

  1. قصة قصيرة عميقة لامست واقعاً موجعاً بطريقة سردية انسيابية هادئة مشحونة بالانفعالات والتوترات.
    حكي بلغة سهلة ممتنعة.
    عمل جدير بالتقدير.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة في رواية "عِقد المانوليا" للكاتبة المغربية نعيمة السي أعراب بقلم الناقد عز الدين الماعزي

"العزيف" / نص مسرحي من فصل واحد / الكاتب والمخرج العراقي منير راضي / النص الذهبي الفائز في مسابقة الرؤى المسرحية 1 / السلسلة الثانية 2024 / في إبداع النص المسرحي من الفصل الواحد

{ سيدتان عالمتان بسري } قصة قصيرة / الأديبة الروائية والقاصة السودانية الأستاذة مروة أسامة.